بلحاظ عالم الدلالة التي هي عالم الإثبات والصياغة والإنشاء ، ومن المعلوم أنّ الفرق الظاهري الإثباتي يكون ناشئا من وجود فرق حقيقي ثبوتي واقعي. وهذا لم يبرزه هذا التحليل المذكور حيث لم يبيّن جوهر الفرق بينهما. ولذلك قال السيّد الشهيد :
ولكن التحقيق : أنّ الفرق بينهما أعمق من ذلك ، فإنّ روح الحكم الظاهري في موارد الأمارة مختلف عن روحه في موارد الأصل بقطع النظر عن نوع الصياغة ، وليس الاختلاف الصياغي المذكور إلا تعبيرا عن ذلك الاختلاف الأعمق في الروح بين الحكمين.
التحقيق في بيان حقيقة الفرق بين الأمارات هو أنّ روح وجوهر الحكم الظاهري المجعول في موارد الأمارات يختلف عنه في موارد الأصول ، سواء كانت الصياغة الاعتباريّة في الأوّل جعل الكاشفيّة والطريقيّة أم لا ، وسواء كانت بلحاظ المنجّزيّة والمعذّريّة والجري العملي في الثاني أم لا ؛ لأنّ هذه مجرّد صياغات اعتبارية تكشف عن فارق جوهري بين الموردين وليست هي نفسها الفارق ، بل هي تعبير عنه ، أي أنّ الاختلاف الظاهري في الصياغة بين الموردين نشأ من وجود اختلاف في الروح والجوهر.
وتوضيح ذلك : أنّا عرفنا سابقا أنّ الأحكام الظاهريّة مردّها إلى خطابات تعيّن الأهمّ من الملاكات والمبادئ الواقعيّة حين يتطلّب كلّ نوع منها ضمان الحفاظ عليه بنحو ينافي ما يضمن به الحفاظ على النوع الآخر ، وكلّ ذلك يحصل نتيجة الاختلاط بين الأنواع عند المكلّف ، وعدم تمييزه المباحات عن المحرّمات مثلا.
تقدّم آنفا أنّ الأحكام الظاهريّة عبارة عن خطابات شرعيّة صادرة من المولى لأجل تعيين الأهمّ من الملاكات والمبادئ الواقعيّة عند اختلاطها على المكلّف وعدم تمييزه لها ، فإنّه في صورة الاشتباه والشكّ في الحكم الواقعي معناه وجود طرفين يستدعي كلّ منهما متطلّبات متغايرة عن الآخر ، بحيث لا يمكن اجتماعهما في مقام الامتثال وبحيث لا يمكن الحفاظ عليهما جميعا ، بل إنّ الحفاظ على أحدهما يستدعي فوات الآخر. ولذلك فإنّ المولى يبرز بهذا الحكم الظاهري الأهمّ الواقعي عنده ، وهذا واضح. وحينئذ عند ما يريد الشارع أن يصدر خطابا لتعيين الملاك الأهمّ فهو يلاحظ هذه الأهميّة ضمن إحدى صور ثلاث ، وهي :