التنافي بين الأحكام الظاهريّة
عرفنا سابقا (١) أنّ الأحكام الواقعيّة المتغايرة نوعا ـ كالوجوب والحرمة والإباحة ـ متضادّة ، وهذا يعني أنّ من المستحيل أن يثبت حكمان واقعيّان متغايران على شيء واحد ، سواء علم المكلّف بذلك أو لا ؛ لاستحالة اجتماع الضدّين في الواقع.
تقدّم فيما سبق أنّ الأحكام الواقعيّة المتغايرة لا يمكن اجتماعها على شيء واحد ؛ وذلك لأنّها متضادّة فيما بينها ، فلا يمكن أن يكون هناك وجوب وإباحة أو حرمة وإباحة أو وجوب وحرمة على متعلّق واحد ؛ لأنّ هذه الأحكام التكليفيّة متضادّة فيما بينها بحسب المبادئ والملاكات ، ولذلك لا يمكن أن يتصوّر شيء واحد فيه مصلحة ومفسدة أو يكون محبوبا ومبغوضا في آن واحد.
وهذه الاستحالة لا يفرّق فيها بين العالم والجاهل ؛ لأنّ الأحكام الواقعيّة ثابتة لهما معا كما تقدّم سابقا من قاعدة اشتراك الأحكام بين العالم والجاهل ، فسواء علم بوجود حكمين متغايرين أو لم يعلم بذلك فإنّ الاستحالة ثابتة على كلّ حال ؛ لأنّها واقعيّة وليست تابعة لعلم المكلّف أو جهله ، فجهله باجتماع الحكمين المتغايرين لا يدفع هذه الاستحالة ، كما أنّ علمه بذلك لا يثبت الاستحالة أيضا ، بل الاستحالة ثابتة في الحالين ؛ لأن موضوعها ثابت واقعا وهو الأحكام التكليفيّة المتغايرة بحسب الفرض. وهذا واضح.
والسؤال هنا : هو أنّ اجتماع حكمين ظاهريّين متغايرين نوعا هل هو معقول أو لا؟ فهل يمكن أن يكون مشكوك الحرمة حراما ظاهرا أو مباحا ظاهرا في نفس الوقت؟
__________________
(١) الحلقة الثانية ، ضمن مباحث التمهيد ، تحت عنوان : التضادّ بين الأحكام التكليفيّة.