والسؤال هنا : هو أنّ الاستحالة المذكورة هل هي مختصّة بالأحكام الواقعيّة أو أنّها تشمل أيضا الأحكام الظاهريّة؟ فلا يمكن اجتماع الحرمة والإباحة الظاهريّين أيضا ، أو أنّه يعقل اجتماعهما ظاهرا بأن يكون مشكوك الحرمة حراما ومباحا ظاهرا؟ حيث إنّ مورد الأحكام الظاهريّة هو الشكّ ، ففي حال الشكّ في الواقع هل يمكن أن يكون هناك حكمان ظاهريّان على هذا الشيء المشكوك متغايران نوعا أو لا يمكن ذلك؟
والجواب على هذا السؤال يختلف باختلاف المبنى في تصوير الحكم الظاهري والتوفيق بينه وبين الأحكام الواقعيّة.
فالإجابة تختلف هنا إمكانا واستحالة بحسب اختلاف المبنى في تصوير الحكم الظاهري وحقيقته ، حيث تقدّم عند التوفيق بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي وجود عدّة مبان ، كالمسلك القائل بأنّ الحكم الظاهري هو جعل الحكم المماثل ، وكمسلك جعل الطريقيّة والكاشفيّة والعلميّة ، وكذلك هناك مبان للتوفيق بينهما كالقول بأنّ الحكم الظاهري حكم وضعي المجعول فيه الطريقيّة والكاشفيّة ، وكالقول : إنّ الحكم الظاهري ليس فيه مبادئ في متعلّقه وإنّما في نفس جعله ، فلا بدّ أن تختلف النتيجة باختلاف المبنى ولذلك نقول :
فإن أخذنا بوجهة النظر القائلة بأنّ مبادئ الحكم الظاهري ثابتة في نفس جعله لا في متعلّقه أمكن جعل حكمين ظاهريّين بالإباحة والحرمة معا على شرط أن لا يكونا واصلين معا ، فإنّه في حالة عدم وصول كليهما معا لا تنافي بينهما لا بلحاظ نفس الجعل ؛ لأنّه مجرّد اعتبار ، ولا بلحاظ المبادئ ؛ لأنّ مركزها ليس واحدا ، بل مبادئ كلّ حكم في نفس جعله لا في متعلّقه ، ولا بلحاظ عالم الامتثال والتنجيز والتعذير ؛ لأن أحدهما على الأقلّ غير واصل فلا أثر عملي له. وأمّا في حالة وصولهما معا فهما متنافيان متضادان ؛ لأنّ أحدهما ينجّز والآخر يؤمّن.
بناء على مسلك السيّد الخوئي رحمهالله من أنّ مبادئ الحكم الظاهري في نفس جعله لا في المتعلّق المشترك بينه وبين الحكم الواقعي. وبناء على ما ذكره من أنّ التضادّ إنّما يكون بلحاظ المبدأ في عالم المبادئ أو بلحاظ المنتهى أي بلحاظ التنجيز ، فعلى هذا المسلك يمكن تصوير اجتماع حكمين ظاهريّين متغايرين نوعا كالحرمة والاباحة ، ولكن بشرط ألاّ يكونا واصلين معا إلى المكلّف. وتوضيح ذلك : إنّ الشارع