على المستطيع أو تكوينيّا وإخباريّا كالحكم بأنّ النار محرقة أو أنّها في الموقد ـ إنّما يصبّ حكمه في الحقيقة على الصورة الذهنيّة لا على الموضوع الحقيقي للحكم.
ذكرنا أنّ الحكم تارة يكون على نهج القضيّة الحقيقيّة التي يفترض فيها الموضوع ويقدّر وجوده ، وأخرى على نهج القضيّة الخارجيّة التي يكون موضوعها الأفراد المشار إليهم في الخارج بلحاظ أحد الأزمنة.
وهذا الحكم سواء كان موضوعه حقيقيّا أو خارجيّا ، تارة يكون حكما شرعيّا كالحكم بوجوب الحجّ على المستطيع أو وجوب الصلاة ، وأخرى يكون حكما إخباريّا تكوينيّا أي إخبار عن واقعة خارجيّة حدثت أو تحدث مستقبلا أو الآن أو يفترض حدوثها كالإخبار ( بأنّ النار محرقة أو النار في الموقد ). فإنّ الأوّل قضيّة إخبارية تكوينيّة بنحو القضيّة الحقيقية ؛ لأنّ روحها وجوهرها قضيّة شرطيّة وهي إن وجدت نار فهي محرقة ، بينما الثانية قضيّة إخباريّة تكوينيّة بنحو القضيّة الخارجيّة ، وهي الحكم على النار الموجودة في الخارج بأنّها في الموقد لا في مكان آخر.
فالحكم في هذه الموارد كلّها ينصبّ في الحقيقة على الصورة الذهنيّة للموضوع لا على الموضوع الحقيقي للحكم ، وتوضيح ذلك : إنّ حكم الحاكم أمر ذهني في تصوّر الحاكم ، فلا بدّ من فرض الموضوع في الذهن وما يوجد في الذهن إنّما هو الصورة لا نفس الموضوع الحقيقي ، ولذلك قال السيّد الشهيد :
لأنّ الحكم لمّا كان أمرا ذهنيّا فلا يمكن أن يتعلّق إلا بما هو حاضر في الذهن ، وليس ذلك إلا الصورة الذهنيّة.
فمصبّ الحكم الذي هو موضوعه لا بدّ أن يكون ذهنيّا ؛ لأنّ نفس الحكم ذهني حيث إنّه موجود في نفس الحاكم وتصوّره أوّلا لا ما هو موجود في الخارج ، وإلا صار هناك مغايرة سنخيّة بين الحكم وموضوعه.
وهي وإن كانت مباينة للموضوع الخارجي بنظر ولكنّها عينه بنظر آخر. فأنت إذا تصوّرت النار ترى بتصوّرك نارا ، ولكنّك إذا لاحظت بنظرة ثانية إلى ذهنك وجدت فيه صورة ذهنيّة للنار لا النار نفسها ، ولمّا كان ما في الذهن عين الموضوع الخارجي بالنظر التصوّري وبالحمل الأوّلي صحّ أن يحكم عليه بنفس