وأمّا القاعدة الفقهيّة كالقاعدة المشار إليها في الإشكال وهي قاعدة الضمان ، فهذه نستطيع أن نثبت بها تطبيقات للضمان على مصاديق وموارد خارجيّة في بعض الأبواب الفقهيّة كالبيع والإجارة ونحوهما ، فالمستنتج من هذه القاعدة هو الجعولات الجزئيّة ؛ لأنّها تابعة لمواردها ومصاديقها المشخّصة في الخارج ، ولا يستنتج منها جعل كلّي ، بل هي بنفسها جعل كلّي يوجد تحته مصاديق متعدّدة وجزئيّات مختلفة.
وهذه الضمانات المتعدّدة المستنتجة من قاعدة الضمان تعتبر أحكاما جزئيّة على موضوعها الجزئي. وبهذا ظهر الفرق بين القاعدتين ، مضافا إلى أنّ القاعدة المذكورة مختصّة في بعض الأبواب الفقهيّة ولا تشمل مختلف الأبواب الأخرى كأبواب العبادات مثلا (١).
وأمّا الملاحظة الثانية فقد يجاب عليها تارة بإضافة قيد إلى التعريف ، وهو ( أو التي ينتهى إليها في مقام العمل ) كما صنع صاحب ( الكفاية ) (٢).
الملاحظة الثانية ـ وهي عدم شمول التعريف للأصول العمليّة ـ فقد أجيب عليها أوّلا بإضافة قيد إلى التعريف المذكور من باب التتميم والإلحاق والاستدراك ، كما صنع صاحب ( الكفاية ) حيث قال في تعريفه لعلم الأصول : ( إنّ علم الأصول صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام ، أو التي ينتهى إليها في مقام العمل ).
__________________
(١) وهذا الكلام تامّ في مثل هذه القاعدة الفقهيّة ، وأمّا غيرها من القواعد كقاعدة الفراغ والصحّة والطهارة والحليّة فلا يتمّ فيها ؛ لأنّ هذه القواعد يستنتج منها جعل كلّي على موضوع كلّي أيضا كالقاعدة الأصوليّة. فتبقى داخلة في التعريف المذكور ولا تخرج من التعريف حتّى على هذا التفسير للحكم الشرعي ، مع أنّها قواعد فقهيّة وليست أصوليّة ؛ لأنّ بعضها مختصّ في الشبهات الموضوعيّة وبعضها في الشبهات الحكميّة ، فلا تجري في مختلف الحالات والشكوك فلذلك لا تكون أصوليّة ؛ لعدم قابليّتها للجريان في مختلف الأبواب والحالات مع أنّ التعريف منطبق عليها ؛ لأنّ مثال قاعدة الطهارة أو الحليّة يستنبط منهما جعل كلّي على موضوع كلّي كقولنا : ( كلّ شيء طاهر ، وكلّ شيء حلال ).
ولعلّ مراد السيّد الشهيد من قوله : ( كالقاعدة المشار إليها ) إشارة إلى ما ذكرناه من أنّ بعض القواعد الفقهيّة يستنبط منها جعل كلّي لا مجرّد تطبيقات ومصاديق للجعل الكلّي.
(٢) كفاية الأصول : ٢٣.