وانحراف التصديق الذاتي عن الدرجة التي تفترضها المبرّرات الموضوعيّة له مراتب ، وبعض مراتب الانحراف الجزئيّة ممّا ينغمس فيه كثير من الناس. وبعض مراتبه يعتبر شذوذا ومنه قطع القطّاع ، فالقطّاع إنسان يحصل له قطع ذاتي وينحرف غالبا في قطعه هذا انحرافا كبيرا عن الدرجة التي تفترضها المبرّرات الموضوعيّة.
عرفنا أنّ القطع الذاتي هو القطع غير الموافق للمبرّرات الموضوعيّة ، ولذلك فالقطع الذاتي انحراف عن جادّة الصواب. إلا أنّ هذا الانحراف مفهوم كلّي مشكّك ، أي له درجات ومراتب وأفراد ومصاديق بعضها أشدّ من البعض الآخر.
وبعض مراتب هذا الانحراف ممّا يتواجد في كثير من الناس ، وهي المرتبة الجزئيّة الأقلّ والتي فيها انحراف يسير فقط. فمثلا لو أنّ إنسانا أخبره بوفاة زيد وكانت درجة التصديق من إخباره بنسبة سبعين في المائة فحصل له ظنّ بنسبة خمسة أو سبعين أو ثمانين في المائة فهذا انحراف إلا أنّه جزئي ويسير ؛ لأنّه لا يزال ضمن دائرة الظنّ ولم يتحوّل من الظنّ إلى الدرجة الأعلى كالاطمئنان أو القطع. وهذه المرتبة والدرجة ينغمس فيها أكثر الناس بحيث لا تحصل الدرجة التصديقيّة المطابقة تماما للخبر ، بل تحصل لهم درجة تصديقيّة قريبة من درجة التصديق الموضوعيّة.
وأمّا بعض المراتب الأخرى من الانحراف فهي تعتبر شذوذا ، كأن يحصل له الاطمئنان بدرجة خمسة أو تسعين في المائة أو يحصل له القطع مائة في المائة من خلال إخبار شخص درجة التصديق في إخباره سبعين أو ستين في المائة فقط بحسب المبرّرات الموضوعيّة.
ومن هذه المرتبة في الانحراف والشذوذ قطع القطّاع ، وهو الإنسان الذي يحصل له قطع ذاتي غير مستند إلى مبرّرات موضوعيّة ، بل كان معتمدا على حالات نفسيّة معيّنة أوجبت له هذا الانحراف والشذوذ ، بحيث إنّه ينحرف في الغالب بدرجة كبيرة جدّا عن الدرجة التي تفرضها عليه المبرّرات الموضوعيّة ، بأن كانت المبرّرات توجد درجة التصديق بنسبة ستّين في المائة فقط ولكنّه ولأجل بعض الحالات النفسيّة والذاتيّة حصل له القطع واليقين مائة في المائة. فإنّ هذا انحراف كبير جدّا لا يتسامح فيه عرفا في الغالب.