ومن هنا كان المتجرّي مستحقّا للعقاب كاستحقاق العاصي ؛ لأنّ انتهاكهما لحقّ الطاعة على نحو واحد. ونقصد بالمتجرّي : من ارتكب ما يقطع بكونه حراما ولكنّه ليس بحرام في الواقع. ويستحيل سلب الحجّيّة أو الردع عن العمل بالقطع غير المصيب للواقع ؛ لأنّ مثل هذا الردع يستحيل تأثيره في نفس أي قاطع ؛ لأنّه يرى نفسه مصيبا وإلا لم يكن قاطعا.
المتجرّي : هو من يقطع بحرمة شيء أو بوجوبه ثمّ يخالف قطعه ، فيرتكب الحرام الذي قطع بحرمته ويترك الواجب الذي قطع بوجوبه ، ثمّ يتبيّن أنّه لم يكن حراما أو واجبا في الواقع. من قبيل أن يقطع بأنّ هذا المائع خمر فيشربه ، ثمّ يتبيّن أنّه ماء ، أو يقطع بأنّ هذه المرأة أجنبيّة فيطأها ، ثمّ يتبيّن أنّها جاريته أو زوجته. فهنا لم يكن قطعه مصيبا للواقع.
ولكن تقدّم منّا أنّ حجّيّة القطع ومنجّزيّته لا يشترط فيها الإصابة للواقع ؛ لأنّ القطع بالتكليف هو تمام الموضوع لحقّ الطاعة. وعليه فإنّ المتجرّي القاطع بالتكليف يجب عليه بحكم العقل الإطاعة والامتثال وحرمة المخالفة واستحقاق العقاب عليها ؛ وذلك رعاية لحقّ المولى واحتراما لأدب العبوديّة المفروض عليه ، فهو كالقاطع بالتكليف ثمّ يعصيه. فلا فرق بين العاصي والمتجرّي من جهة أنّهما انتهكا حقّ المولى وخرجا عن حدود العبوديّة ؛ لأنّهما خالفا التكليف المقطوع والذي هو تمام الموضوع لحقّ الطاعة. ولذلك يحكم العقل بلزوم العقاب عليهما.
ومجرّد كون المتجرّي لم يصب الواقع بينما العاصي أصابه لا يصحّ أن يكون ملاكا للفرق بينهما في استحقاق العقاب للعاصي دون المتجرّي ؛ وذلك لأنّ إناطة العقاب بذلك معناه تعليق الحكم على شيء غير مقدور للمكلّف ، فإنّ الإصابة للواقع وعدمها ليست مقدورة للمكلّف ، فلا يمكن أن تكون شرطا في التكليف.
والدليل على ذلك : أنّ المنجّزيّة يستحيل سلبها عن القطع ويستحيل الردع عن العمل بالقطع ، فالقاطع يجب عليه العمل وفقا لقطعه ويكون قطعه منجّزا عليه ، وهذا