المعنى موجود سواء المتجرّي أو العاصي. فإنّ القاطع كما تقدّم يرى أنّ قطعه مصيب دائما للواقع ويرى مقطوعه ثابتا في الواقع ، فهو يعتقد ذلك ويؤمن به ، ولذلك لا يصدّق بسلب المنجّزيّة أو الردع عن القطع على أساس ترخيص ظاهري كما تقدّم ؛ لأنّه لا يراه جدّيّا بالنسبة إليه ؛ لأنّه لا يحتمل وجودا إلا للتكليف ولا يحتمل عدمه أصلا ، وإلا لم يكن قاطعا.
ومن هنا نحكم على المتجرّي باستحقاق العقاب كالعاصي ؛ لأنّ ملاك الاستحقاق فيهما واحد ، وهو مخالفته للتكليف المقطوع به الذي هو تمام الموضوع للمنجّزيّة وحقّ الطاعة والامتثال والإطاعة ، خلافا للشيخ الأنصاري حيث نفى العقاب عنه.
والمتجرّي على نوعين :
الأوّل : التجرّي بالنيّة بأن ينوي فعل ما قطع بحرمته أو ينوي ترك ما قطع بوجوبه من دون أن يفعل ذلك. وهذا النحو ليس هو محلّ الكلام. وهذا اختلفت فيه الأخبار.
الثاني : التجرّي بفعل ما قطع بحرمته أو بترك ما قطع بوجوبه ، وهو محلّ الكلام فعلا.
وكما يستحقّ المتجرّي العقاب كالعاصي كذلك يستحقّ المنقاد الثواب بالنحو الذي يفترض للممتثل ؛ لأنّ قيامهما بحقّ المولى على نحو واحد. ونقصد بالمنقاد :
من أتى بما يقطع بكونه مطلوبا للمولى فعلا أو تركا رعاية لطلب المولى ، ولكنّه لم يكن مطلوبا في الواقع.
المنقاد : هو ذاك الإنسان الذي يقطع بوجوب شيء ويمتثله رعاية لحقّ المولى ، أو الذي يقطع بحرمة شيء فيتجنّبه رعاية لحقّ المولى أيضا ، ثمّ يتبيّن أنّه لا وجوب ولا حرمة واقعا. من قبيل أن يقطع بوجوب صلاة الجمعة فيأتي بها ، ثمّ يتبيّن أنّها ليست واجبة ، أو يقطع بحرمة هذا المائع لأنّه خمر فيتجنّبه ، ثمّ يتبيّن أنّه ماء.
فهذا المنقاد يستحقّ الثواب كالمطيع والممتثل ؛ لأنّهما يشتركان معا في ملاك استحقاق الثواب ، وهو رعاية حقّ المولى والعمل على وفق ما يريده المولى من عبادة فعلا أو تركا.
فكما أنّ المتجرّي كالعاصي في استحقاق العقاب ؛ لانتهاكهما حقّ المولى ، كذلك المنقاد كالمطيع في استحقاق الثواب ؛ لرعايتهما حقّ المولى.