الموضوعي وبين القطع المصيب للواقع وغير المصيب. وأمّا بالنسبة لمعذّريّة القطع فقد يقال : إنّ القطع الذاتي ليس معذّرا ، بمعنى أنّ قطع القطّاع بعدم التكليف في مورد لا يكون مؤمّنا له عن استحقاق العقاب فيما إذا كان قطعه مخالفا للواقع وكان التكليف ثابتا ، فلا يكون معذورا.
والدليل على ذلك أحد أمرين :
الأوّل : أنّ الشارع ردع عن العمل بالقطع الذاتي أو ببعض مراتبه المتطرّفة على الأقلّ ، وهذا الردع ليس بالنهي عن العمل بالقطع بعد حصوله ، بل بالنهي عن المقدّمات التي تؤدّي إلى نشوء القطع الذاتي للقطّاع أو بالأمر بترويض الذهن على الاتّزان ، وهذا حكم طريقي يراد به تنجيز التكاليف الواقعيّة التي يخطئها قطع القطّاع وتصحيح العقاب على مخالفتها.
الوجه الأوّل لإثبات أنّ قطع القطّاع بعدم التكليف ليس معذّرا هو : أنّ الشارع قد ردع عن العمل بالقطع الذاتي في جميع مراتبه أو على الأقلّ في المرتبة الشديدة الانحراف منه ، أي قطع القطّاع ومع صدور الردع عن العمل به لا يكون العمل به حجّة ومعذّرا ، فهو من قبيل القياس والاستحسان في كون العمل بهما ليس حجّة. وبالتالي يثبت العقاب فيما لو كان التكليف ثابتا وتركه هذا القاطع استنادا على القطع الذاتي.
لا يقال : إنّ الردع عن العمل بالقطع مستحيل سواء كان موضوعيّا أو ذاتيّا لما تقدّم سابقا من استحالة سلب الحجّيّة عن القطع ؛ لأنّ القاطع سواء بالتكليف أو بعدمه لا يحتمل شيئا آخر خلاف ما قطع به وإلا لم يكن قاطعا. وعليه فلا يتعقّل صدور مثل هذا الردع بنحو جادّ ، فيكون مثل هذا الردع لغوا ؛ لأنّه بلا فائدة وبلا أثر.
فإنّه يقال : إنّ هذا الردع عن القطع ليس بالنهي عن العمل بالقطع بعد حصوله ؛ لئلا يلزم المحذور المذكور ؛ لأنّه بعد حصوله لا يمكن الردع عنه لما ذكر. وإنّما الردع يكون بأحد نحوين :
إمّا بالنهي عن المقدّمات التي من شأنها أن تؤدّي إلى حصول هذا القطع ، بأن يشخّص الشارع هذه المقدّمات وينهى عن اتّباعها ؛ لأنّها تستلزم دائما أو غالبا