الدعاء عند رؤية الهلال مثلا ، وفي مقابله البراءة العقليّة ـ قاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ عند من يقول بها ، والبراءة الشرعيّة ، والاستصحاب ، وإطلاق دليل اجتهادي تفرض دلالته على عدم وجوب الدعاء.
ولأجل توضيح وبيان ما ذكرناه من الأصل من قولنا : ( إنّ كلّ ما كان مرجعا قبل هذه الحجّيّة المشكوكة يظلّ هو المرجع معها ) نفرض أنّه دلّ خبر مشكوك الحجّيّة ـ كخبر المميّز أو خبر العامي الثقة أو خبر مجهول الحال أو خبر الثقة الفاسق ـ على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، فإنّه قبل مجيء هذا الخبر المشكوك الحجيّة كان المرجع في هذا المورد البراءة العقليّة ، أي قاعدة قبح العقاب بلا بيان عند المشهور التي تقيّد التأمين عند عدم العلم وهذا مشكوك فلا عقاب في الترك ، والبراءة الشرعيّة عند السيّد الشهيد وهي تفيد أنّ كلّ ما لا يعلم فهو مرفوع أو حلال أو طاهر فهي تفيد التأمين ونفي الإلزام أيضا ، والاستصحاب أي استصحاب عدم الوجوب ؛ لأنّ الوجوب مشكوك والأصل عدمه إمّا بلحاظ ما قبل التكليف وإمّا بلحاظ صدر التشريع ، والدليل الاجتهادي كالإطلاق والعموم الدالّين على نفي الوجوب المذكور بأن كان لسانهما شاملا للمورد المذكور إن كان الحكم الواقعي عدم وجوب الدعاء بنحو الإطلاق أو العموم.
أمّا البراءة العقليّة فلو قيل بها كانت مرجعا مع احتمال حجّيّة الخبر أيضا ؛ لأنّ احتمال الحجّيّة لا يكمل البيان ، وإلا لتمّ باحتمال الحكم الواقعي. ولو أنكرناها وقلنا : إنّ كلّ حكم يتنجّز بالاحتمال ما لم يقطع بالترخيص الظاهري في مخالفته ، فالواقع منجّز باحتماله من دون أثر لاحتمال الحجّيّة.
أمّا البراءة العقليّة فإن قلنا بها فمفادها التأمين عن العقاب في حال عدم البيان والعلم ، فما دام الحكم الواقعي لم يتمّ عليه البيان فالعقل يحكم بنفي العقاب والإدانة وهو معنى التأمين ، فهذه البراءة العقليّة موضوعها عدم العلم بالحكم الواقعي المساوق للشكّ به ، فمع قيام الحجّيّة المحتملة على وجوب الدعاء يبقى موضوع القاعدة ثابتا ، ولذلك تبقى القاعدة هي المرجع في هذه الحالة ؛ لأنّ البيان والعلم لم يتحقّقا. ومجرّد احتمال الحجّيّة لا يكفي في تماميّة البيان والعلم ولا يكمل البيان والعلم مع ضمّه للواقع المحتمل ، فإنّنا إذا ضممنا هذه الحجّيّة المحتملة إلى الحكم الواقعي بوجوب الدعاء