والتشريعيّة وليس عملهم هذا مستنكرا لا عقلا ولا شرعا. فالنهي إذن إرشاد إلى أنّ العمل بالظنّ واتّباع ما ليس بعلم فيه محذور التورّط في مخالفة الواقع في الغالب ، فيكون النهي مفاده الإرشاد إلى عدم حجّيّة الظنّ إلا ما قام الدليل القطعي على اعتباره وحجّيّته شرعا.
فإذا كانت الحجّيّة بمعنى اعتبار الأمارة علما فهذا يعني أنّ مطلقات النهي تدلّ على نفي اعتبارها علما ، فيكون مفادها في رتبة مفاد حجّيّة الأمارة ، وبهذا تصلح لنفي الحجّيّة المشكوكة.
المقدّمة الثانية : بعد أن كانت الحجّيّة للأمارات معناها جعل الأمارة علما بناء على مسلك الطريقيّة والكاشفيّة ، فالآيات الناهية عن العمل بالظنّ قلنا : إنّها إرشاد إلى نفي الحجّيّة عن الأمارة والظنّ المشكوك جعل الحجّيّة لهما ، وهذا معناه أنّها تدلّ على نفي اعتبار الأمارة والظنّ المشكوكين علما ؛ لأنّ إثبات الحجّيّة يعني اعتبار العلميّة فيكون نفي الحجيّة عدم اعتبار العلميّة. وحينئذ فمطلقات النهي وأدلّة جعل الحجيّة للأمارة في رتبة عرضيّة واحدة ؛ لأنّ مطلقات النهي تنفي الحجيّة والعلميّة عن الأمارة والظنّ المشكوكين ، بينما أدلّة حجّيّة الأمارات تثبت الحجّيّة والعلميّة لهما ، ولذلك يقع التعارض بينهما في هذا المورد ويحكم بتساقطهما.
والنتيجة : أنّ هذه الأمارة والظنّ لم تثبت لها الحجّيّة والعلميّة ، والمفروض أنّها من أفراد الظنّ واقعا وتكوينا. وهذا يعني أنّنا نشكّ في أنّ هذا الظنّ التكويني الحقيقي هل خرج عن دائرة إطلاق النهي أو لم يخرج عنها بعد أن علمنا قطعا بأنّه فرد ومصداق لهذا الموضوع؟
وبتعبير آخر : إنّنا نشكّ في وجود الدليل على خروجه عن الإطلاق بالتخصيص أو بالحكومة ، فمع عدم العلم بالمخصّص والحاكم يصحّ التمسّك بالعامّ والمطلق لهذا الفرد والمصداق ؛ إذ لا يعلم خروجه عن دائرته بعد العلم بكونه داخلا واقعا وتكوينا في موضوعه ، فالموضوع محرز ويشكّ في التخصيص المعلوم انتفائه فيتمسّك بالعامّ فيه ؛ لأنّ موضوعه محرز وجدانا وتكوينا. وبالتالي يكون هذا الفرد منهيّا عنه بمعنى أنّه ليس حجّة.