عمّق المحقّق النائيني تفصيل المشهور وذلك بناء على مسلكه من جعل الطريقيّة والعلميّة والكاشفيّة في باب الأمارات ؛ لأنّ دليل حجّيّة الأمارة يجعل الأمارة علما بلحاظ الكاشفيّة والطريقيّة إلى الواقع فيكون متمّما لهذه الكاشفيّة الناقصة في الأمارات. وعليه ، فدليل حجّيّة الأمارة يتمّم كشفها عن الواقع فتصبح علما تعبّديّا ، ولذلك فإنّ كلّ آثار العلم وخصائصه ولوازمه تترتّب على الأمارة والتي من جملتها ثبوت اللوازم ، فمثبتات الأمارة على القاعدة ولا تحتاج في إثباتها إلى قرينة خاصّة ودليل مستقلّ. فخبر الثقة مثلا عند جعل الحجيّة له يصبح علما وكاشفا تامّا عن الواقع فلا فرق بينه وبين العلم الوجداني من حيثيّة الكشف التامّ ، غاية الأمر أنّ العلم الوجداني كاشف تامّ بنفسه ، بينما خبر الثقة كاشف تامّ بجعل الشارع الحجّيّة له ، ومن الواضح أنّه إذا ثبت العلم والكشف التامّ عن الواقع فتترتّب كلّ اللوازم الثابتة لهذا الواقع المكشوف ؛ لأنّ العلم بشيء علم بلوازمه أيضا على القاعدة.
وأمّا دليل الحجّيّة في باب الأصول العمليّة فهو يجعل الأصول حجّة بلحاظ الجري العملي أو التنجيز والتعذير ، فالمجعول هو تحديد الموقف العملي والوظيفة العمليّة اتّجاه هذا الواقع المشكوك ، وليس هناك أي كشف عن الواقع ليكون دليل الحجّيّة هنا متمّما لهذا الكشف الناقص ، وعليه فيكون المقدار الثابت بجعل الحجّيّة للأصول هو المدلول المطابقي وما يحكي عنه الأصل ويؤدّي إليه وهو الجري العملي والتنجيز والتعذير. وأمّا اللوازم المترتّبة على ثبوت الشيء واقعا فهي تحتاج إلى دليل خاصّ مستقلّ أو إلى قرينة في دليل الحجّيّة ؛ لأنّ الجري العملي على طبق شيء وكونه منجّزا أو معذّرا لا يلازم ثبوت هذا الشيء واقعا لكي تترتّب كلّ آثار ولوازم الواقع عليه ، ولذلك نحتاج في إثبات هذه اللوازم إلى دليل خاصّ أو قرينة في دليل الحجّيّة.
فالبراءة أو الاحتياط أو الاستصحاب مؤدّاها التعبّد بالمنجّزيّة في الاحتياط وبالمعذّريّة في البراءة والجري العملي في الاستصحاب على طبق الحالة السابقة ، وهذا يعني أنّ دليل الحجّيّة يجعل هذا المؤدّى حجّة فقط من دون نظر إلى الواقع أصلا ، وإنّما النظر إلى حالة الشكّ والحيرة ، ولذلك فهو يحدّد الموقف والوظيفة في هذا الفرض المذكور. ولا نظر في دليل الحجّيّة إلى الواقع ؛ ليقال : إنّ التعبّد بالجري العملي تعبّد بالواقع وبالتالي تترتّب عليه ثبوت اللوازم ، بل تحتاج إلى دليل أو قرينة في المقام.