الإشكال الأوّل : إنّ قيام الأمارات مقام القطع الطريقي في المنجّزيّة والمعذّريّة مخالف لقاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ وذلك لأنّ العقل يحكم بالتأمين ونفي العقاب إذا لم يكن هناك علم وبيان على الحكم الواقعي. فإذا قامت الأمارة على التنجيز بأن أخبر الثقة عن الوجوب أو الحرمة فهذا لا يعني العلم بالحكم الواقعي ، فهو لا يزال غير معلوم ؛ لأنّ البيان والعلم لا يتحقّقان بقيام الأمارة ، ومعه يقع التعارض بين حكم العقل بالتأمين والمعذّريّة في صورة عدم العلم والبيان وبين الأمارة الدالّة على التنجيز في صورة عدم العلم والبيان أيضا ؛ لأنّ الأمارة ليست علما حقيقيّا بالحكم الشرعي. وحينئذ كيف يمكن قيامها على المنجّزيّة مع كونها معارضة لحكم العقل القطعي؟!
نعم ، الأمارات الدالّة على التأمين والمعذّريّة ليست مخالفة لحكم العقل ؛ لأنّه يثبت التأمين والمعذّريّة أيضا.
الإشكال الثاني : بعد الفراغ عن قيام الأمارة مقام القطع الطريقي وحلّ الإشكال السابق ، وأنّها ليست معارضة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان يستشكل في كيفيّة صياغة دليل الحجّيّة للأمارات ؛ والذي يتكفّل في كونها قائمة مقام القطع الطريقي.
أي ما هي الصياغة الإنشائيّة التي ينشئها الشارع عند جعل الحجّيّة للأمارة ، بحيث تكون هذه الصياغة وافية في بيان ذلك المطلب الذي يجعله الشارع في الأمارات عند جعل الحجيّة لها ، بحيث يكون هذا الحكم المجعول فيها محقّقا لذاك المطلب؟
أمّا الاستشكال الأوّل فجوابه :
أوّلا : أنّنا ننكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان رأسا.
الجواب عن الاستشكال الأوّل : إنّنا ننكر قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ وذلك لأنّ القاعدة العقليّة الأولى بناء على المسلك المختار هي الاشتغال والاحتياط العقلي ، على أساس أنّ مطلق انكشاف التكليف ولو احتمالا يكون منجّزا ما لم يثبت الترخيص والإذن الشرعي ، وهنا يكون الحكم العقلي عند الشكّ في الحكم هو التنجيز. وعليه ، فالأمارة الدالّة على التنجيز إنّما تؤكّد حقّ المولى في لزوم الإطاعة والامتثال ، فهي موافقة لحكم العقل وليست مخالفة له ، والأمارة التي تدلّ على التعذير تثبت وجود الإذن والترخيص الشرعي في الشارع في ترك التحفّظ وعدم لزوم الاحتياط العقلي في المورد كما مرّ توضيحه سابقا.