وحينئذ لا بدّ أن نلاحظ هذه السيرة وأنّها هل انعقدت على قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي أيضا ، أو قيامها مقام القطع الطريقي فقط؟
والجواب : أنّ الملاحظ من سيرة العقلاء في أمورهم التكوينيّة والتشريعيّة أي علاقة المأمورين بالآمرين والأسياد بالعبيد والرؤساء بالمرءوسين والآباء بالأبناء أنّهم يتعاملون مع الأمارة ويبنون عليها بلحاظ آثار القطع الطريقي فقط أي بلحاظ الحجّيّة ( المنجّزيّة والمعذّريّة ). وأمّا آثار القطع الموضوعي فلم تنعقد سيرتهم على قيام الأمارة مقامه ؛ لعدم شيوعها في معاملاتهم المولويّة والتشريعيّة ، بل إنّه لا وجود للقطع الموضوعي في حياتهم المولويّة أصلا. ولذلك يكون دليل الحجّيّة قاصرا عن إفادة قيامها مقام القطع الموضوعي ، فنحتاج إلى دليل آخر غير دليل الحجّيّة وهو غير موجود (١).
__________________
(١) وثالثا : أنّ الحكومة إنما تكون في الأدلة اللفظية لأنّ اللفظ هو الذي يقبل التوسعة أو التضييق في مفاده ومدلوله ، وأما الأدلة اللبيّة والعقليّة فهي لا يمكن فيها الحكومة ؛ لأنّها أدلة قطعية لا تقبل التوسعة والتضييق.
وهنا دليل الحجيّة إنّما هو السيرة وهي دليل لبيّ فلا يمكن أن تتصور الحكومة بلحاظها ، والأدلة اللفظية الدالة على الحجيّة قلنا : إنّها إرشاد للمرتكز العقلائي وإمضاء له فهي تتحدّد بهذا المقدار الذي انعقدت عليه السيرة بحيث لا يقبل التوسعة أو التضييق.
بقي شيء : ـ وهو القطع الموضوعي بنحو الصفتيّة وهذا مما لا إشكال عندهم فيه بعدم قيام الأمارة مقامه ؛ إذ لا يوجد استقرار وإذعان وجزم وتصديق في الأمارة بالنحو الذي هو ثابت للقطع بما هو صفة أي بما هو نور لنفسه فإنّ هذه النوريّة ليست موجودة في الأمارة.