فلدينا حرمتان :
الحرمة الأولى : وهي حرمة إسناد ما ليس صادرا واقعا. فهنا عدم الصدور أخذ موضوعا في الحرمة ، فإذا علم بالصدور انتفت الحرمة ، فيكون العلم طريقا لنفي الموضوع والذي هو عدم الصدور ؛ لأنّه إذا علم بالصدور فهذا يعني أنّ العلم كان طريقا كاشفا عن كون موضوع الحرمة غير متحقّق لأنّ الصدور ثابت واقعا ، فالقطع هنا طريقي.
الحرمة الثانية : وهي حرمة إسناد غير معلوم الصدور. فهنا العلم أخذ في الموضوع ؛ لأنّ الموضوع مركّب من أمرين الصدور وعدم العلم به ، فإذا علم بالصدور كان هذا العلم رافعا للحرمة ؛ لأنّ الحرمة ثابتة لغير المعلوم صدوره ، فإذا علم بالصدور انتفى الموضوع بانتفاء جزء منه ومعه تنتفي الحرمة. فهو قطع موضوعي ؛ لأنّه مأخوذ في موضوع نفي الحرمة وعدمه مأخوذ في الحرمة.
وعليه ، فإذا كان الدليل قطعيّا انتفت كلتا الحرمتين ؛ لحصول القطع ، وهو طريق إلى أحد النفيين وموضوع للآخر.
فهنا توجد حالتان :
الأولى : أن يكون الدليل الدالّ على الحكم الشرعي قطعيّا كالتواتر والكتاب ، وحكم العقل القطعي كالمستقلاّت العقليّة : القبح والحسن فهنا يتحقّق العلم بصدور الحكم من الشارع ، وعندئذ يجوز إسناده إلى الشارع ولا حرمة فيه.
أمّا الحرمة الأولى : وهي حرمة إسناد ما ليس صادرا فهي منتفية ؛ وذلك للعلم بالصدور. فهذا العلم كاشف عن الصدور فهو قطع طريقي ينفي موضوع الحرمة المذكورة ؛ لأنّه يكشف عن الصدور والطريق إليه فلا يكون عدم الصدور متحقّقا وإلا لزم اجتماع النقيضين.
وأمّا الحرمة الثانية : وهي حرمة ما ليس معلوما صدوره فهي منتفية أيضا ؛ لأنّ جزء الموضوع فيها وهو عدم العلم منتف ؛ وذلك لتحقّق العلم بالصدور. فكان هذا العلم نافيا لموضوع الحرمة فهو قطع موضوعي ؛ لأنّه أخذ في موضوع عدم هذه الحرمة حيث إنّ عدمه كان مأخوذا في الحرمة.
وعليه ، فالحرمتان منتفيتان عند حصول العلم ، وهذا ممّا لا إشكال فيه عندهم.