وإذا لم يكن الدليل قطعيّا بل أمارة معتبرة شرعا فلا ريب في جواز إسناد نفس الحكم الظاهري إلى الشارع ؛ لأنّه مقطوع به.
الثانية : أن يكون الدليل الدالّ على الحكم الشرعي ظنيّا قامت الحجّة شرعا على التعبّد به كالأمارات وخبر الثقة ، فهنا نقول :
إنّ إسناد الحكم الظاهري نفسه إلى الشارع جائز ؛ لأنّه مقطوع به. فخبر الثقة الذي هو أمارة ظنيّة معتبرة شرعا يجوز لنا إسناد الحكم الظاهري المجعول له إلى الشارع فنقول : ( إنّ خبر الثقة جعله الشارع حجّة ) ، فالحجّيّة التي هي حكم ظاهري يمكن إسنادها إلى الشارع ونسبتها إليه ؛ وذلك لأنّ الدليل الدالّ على حجّيّة خبر الثقة مقطوع به وهو السيرة العقلائيّة الممضاة شرعا.
وهذا المقدار ممّا لا إشكال فيه أيضا.
وأمّا إسناد المؤدّى فالحرمة الأولى تنتفي بدليل حجّيّة الأمارة ؛ لأنّ القطع بالنسبة إليها طريقي ، ولا شكّ في قيام الأمارة مقام القطع الطريقي. غير أنّ انتفاء الحرمة الأولى كذلك مرتبط بحجّيّة مثبتات الأمارات ؛ لأنّ موضوع هذه الحرمة عنوان الكذب وهو مخالفة الخبر للواقع ، وانتفاء هذه المخالفة مدلول التزامي للأمارة الدالّة على ثبوت الحكم ؛ لأنّ كلّ ما يدلّ على شيء مطابقة يدلّ بالالتزام على أنّ الإخبار عنه ليس كذبا.
وأمّا إسناد المؤدّى أي مؤدّى الأمارة وهو ما يحكي عنه الثقة من حكم كالوجوب والحرمة ، فهل يجوز إسنادهما إلى الشارع بأن يقال : هذا الوجوب الذي حكمت به الأمارة صادر من الشارع أو لا يجوز؟
والجواب : أنّ الحرمة الأولى وهي حرمة إسناد ما ليس صادرا من الشارع تنتفي ؛ لأنّ القطع كان طريقا إلى نفي موضوعها ؛ لأنّه طريق إلى الصدور وكاشف عنه. وقد تقدّم سابقا أنّ الأمارة تقوم مقام القطع الطريقي ، فنفس دليل حجّيّة الأمارة يبرّر لنا إسناد مؤدّاها إلى الشارع ؛ لأنّه يعبّدنا بأنّ مؤدّى الأمارة وما تحكي عنه وتكشفه صادر من الشارع وأنّه حكم الله الواقعي ، فكما أنّ القطع كان طريقا وكاشفا عن الصدور فكذلك الأمارة طريق وكاشف عن الصدور. وإذا ثبت كون الحكم صادرا فينتفي موضوع الحرمة ؛ لأنّ موضوعها هو ما ليس صادرا ، وهذا