اللحاظ فقط ، بل إنّ الاختلاف في كيفيّة اللحاظ ناتج عن الاختلاف الذاتي بين المعنيين ، على ما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
ذهب مشهور المحقّقين بعد صاحب ( الكفاية ) إلى أنّ المعنى الحرفي يختلف اختلافا جوهريّا عن المعنى الاسمي ، بحيث إنّ المعنى الموضوع له أو المستعمل فيه الحرف يختلف ذاتا عن المعنى الموضوع له أو المستعمل فيه الاسم. وليس الاختلاف بينهما عرضيّا في كيفيّة اللحاظ من الآلية والاستقلالية ، بل هذا الاختلاف في كيفيّة اللحاظ مسبّب وناتج عن ذاك الاختلاف الذاتي الجوهري بين المعنيين ؛ لأن الاختلاف في مرحلة الاثبات والدلالة يكشف ويحكي عن وجود فارق أعمق وجوهري في مرحلة الثبوت والواقع.
وعلى هذا الأساس لم يكن استعمال أحدهما مكان الآخر صحيحا لا حقيقة ولا مجازا ؛ للتباين بين المعنيين. فإن التباين بينهما يحول دون صحّة استعمال أحدهما مكان الآخر ، إذ لا علاقة ولا مناسبة بينها أبدا. والاستعمال المجازي يفترض وجود مناسبة ونحو علاقة بين المعنيين وهنا لا يوجد ذلك.
وأمّا تصوير هذا الفارق الجوهري بين المعنيين الحرفي والاسمي بعد الاتّفاق على وجوده فقد اختلفت كلمات المشهور في بيانه على أقوال متعدّدة كما سيأتي.
أمّا الاتّجاه الأوّل فيرد عليه : أنّ البرهان قام على التغاير السنخي والذاتي بين معاني الحروف ومعاني الأسماء. وملخّصه :
يرد على ما ذكره صاحب ( الكفاية ) ـ من أنّ التغاير بين الحروف والأسماء إنّما هو عرضي وطارئ ؛ لأنّه في كيفيّة اللحاظ فقط ـ أنّ البرهان دلّ على أنّ التغاير سنخي وذاتي. فالمعاني الحرفيّة سنخ معان تختلف بذاتها وحقيقتها عن المعاني الاسميّة ، فالمعنى الموضوع له أو المستعمل فيه الحرف بذاته مغاير للاسم. وهذا الاختلاف الذي ذكره الآخوند يكشف عن وجود فارق جوهري ، وليس هو وحده الفارق بينهما ، بل هو يعبّر عن الاختلاف الذاتي والسنخي بين الحرف والاسم. والبرهان على ذلك هو :
أنّه لا إشكال في أنّ الصورة الذهنيّة التي تدلّ عليها جملة ( سار زيد من البصرة إلى الكوفة ) مترابطة ، بمعنى أنّها تشتمل على معان مرتبطة بعضها ببعض ،