والموقد إحضار الخصائص والصفات التي تتقيّد بها النار والموقد في الخارج ، إذ يستحيل الإتيان بهذه الخصائص في الذهن.
وواضح أنّه يكفي لتوفير الغرض الذي ذكرناه أن يكون الحاصل في الذهن نارا بالنظر التصوّري وبالحمل الأوّلي لما تقدّم (١) منّا سابقا في البحث عن القضايا الحقيقيّة والخارجيّة من كفاية ذلك في إصدار الحكم على الخارج.
إذا الغرض المذكور من إحضار مفهومي النار والموقد إلى الذهن ، وهو إصدار الحكم على الخارج بتوسّطهما ، وهذا يكفي فيه أن يكون الحاضر في الذهن صورة ذهنيّة للنار لا النار نفسها ، أي النار بالحمل الأوّلي والنظر التصوّري مجرّدة عن الوجود الخارجي وخصوصيّاته لا النار بالحمل الشائع والنظر التصديقي ؛ لأنّها مخالفة للصورة الذهنيّة وغير مطابقة لها بينما تلك عينها ومطابقة لها.
كما تقدّم سابقا حيث ذكرنا في البحث عن القضايا الحقيقيّة والخارجيّة أنّه يكفي في إصدار الحكم على الخارج أن يكون الحاضر في الذهن هو المفهوم بالحمل الأوّلي لا الحمل الشائع.
وأمّا الغرض من إحضار المفهوم الثالث الذي هو بإزاء النسبة الخارجيّة والربط المخصوص بين النار والموقد فهو الحصول على حقيقة النسبة والربط ؛ لكي يحصل الارتباط حقيقة بين المفاهيم في الذهن.
الأمر الثالث : أنّ الغرض من إحضار المفهوم الثالث وهو النسبة والعلاقة الخاصّة بين النار والموقد الخارجيّين هو أن يكون هناك نسبة حقيقيّة في الذهن وربطا حقيقيّا كذلك ؛ وذلك لأنّ المفاهيم الذهنيّة الموجودة في الذهن لا يحصل الارتباط بينها إلا إذا كان هناك نسبة وربط حقيقي.
فمفهوم النار والموقد الذهنيّين لا يمكن أن يكونا مرتبطين في الذهن إلا إذا كان هناك معنى رابط في الذهن ، وهو عين النسبة والربط. فكان الغرض من إحضار مفهوم النسبة والربط في الذهن الحصول على الربط الحقيقي بين هذين المفهومين الذهنيّين.
فكما أنّ الطرفين في الخارج يحتاجان إلى نسبة وربط فكذلك الطرفان الموجودان في الذهن يحتاجان إلى مفهوم رابط.
__________________
(١) ضمن بحث الحكم الشرعي وتقسيماته من بحوث التمهيد.