بينما الحروف ( من ) و ( إلى ) و ( افعل ) و ( لا تفعل ) ونحو ذلك فهي موضوعة لمعنى خاصّ وجزئي ، وهو لا يقبل الصدق على كثيرين ؛ لأنّه مفهوم ومعنى ضيق لا ينطبق إلا على نفسه. ولذلك لا يقبل التقييد بقرينة خاصّة ؛ لأنّه غير قابل للتحصيص وليس له أفراد عديدة ، وليس قابلا للإطلاق ؛ لأنّه لا ينطبق إلا على نفسه فقط ولا يشمل غيره. وبهذا ظهر أنّ التقييد والإطلاق من شئون المفهوم الكلّي القابل للتحصيص وهو الاسم لا الحرف بالمصطلح الأصولي.
وممّا يترتّب على ذلك أنّ القيد إذا كان راجعا في ظاهر الكلام إلى مفاد الهيئة فلا بدّ من تأويله ، كما في الجملة الشرطيّة فإنّ ظاهرها كون الشرط قيدا لمدلول هيئة الجزاء ، وحيث إنّ هيئة الجزاء موضوعة لمعنى حرفي وهو جزئي فلا يمكن تقييده ، فلا بدّ من تأويل الظهور المذكور.
وهنا إشكال : وهو أنّ القيد إذا كان راجعا إلى مفاد الهيئة فلا بدّ من تأويله وإرجاعه إلى المادّة ؛ لأنّ الهيئة غير قابلة للإطلاق والتقييد ، إذ هي معنى حرفي كما تقدّم ، والمعاني الحرفيّة موضوعة لمعنى خاصّ جزئي غير قابل للتحصيص ولا ينطبق على كثيرين. ولذلك لا يمكن تقييده ؛ لأنّه لا يكون فيه الإطلاق إذ الإطلاق والتقييد متقابلان تقابل الملكة والعدم فكلّ مورد يصحّ فيه الإطلاق يصحّ فيه التقييد أيضا وكلّ مورد لا يصحّ فيه الإطلاق فلا يصحّ فيه التقييد. وحينئذ لا بدّ أن نلتزم بالتأويل فرارا من هذا المحذور.
فالجملة الشرطيّة مثلا ظاهرها تعليق مفاد الهيئة والجزاء والذي هو الوجوب على الشرط ، فيكون الشرط كما هو ظاهر الجملة قيدا في الوجوب ، ولكن حيث إنّ الوجوب المدلول عليه بهيئة الجزاء معنى حرفي وهو خاصّ وجزئي فهو غير قابل للتقييد ، كما أنّه ليس قابلا للإطلاق.
وحينئذ لا بدّ من الالتزام بالتأويل ومخالفة ظاهر الجملة وذلك بإرجاع القيد ، أي الشرط إلى المادّة أي متعلّق مفاد الهيئة والذي هو الواجب ؛ لأنّه مفهوم اسمي قابل للإطلاق والتقييد فيكون الواجب مقيّدا لا الوجوب.
فإذا قيل : ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) دلّ الكلام بظهوره الأوّلي على أنّ المقيّد بالمجيء مدلول هيئة الأمر في الجزاء ، وهو الطلب والوجوب الملحوظ بنحو المعنى الحرفي فيكون الوجوب مشروطا.