بلسان الأمر مادّة أو هيئة وجوبا ، وإنّما اختلفوا في توجيه هذه الدلالة وتفسيرها إلى عدّة أقوال :
اتّفق الأصوليّون على أنّ الأمر ـ مادّة وهيئة ـ يدلّ على الوجوب على نحو الحقيقة ، بمعنى أنّ الأمر إذا أطلق من دون قرينة كان دالاّ على الوجوب. وهذا الاتّفاق تقريبي ؛ لأنّ بعضهم قال بأنّ الأمر يدلّ على الطلب الأعمّ من الوجوب والاستحباب ، وبعضهم قال بأنّ الأمر يدلّ على الندب ، وبعضهم قال بأنّ الأمر يدلّ على الجامع المشترك بين الوجوب والندب.
إلا أنّ الصحيح هو دلالتهما على الوجوب بنحو الحقيقة ، والدليل على ذلك :
أوّلا : التبادر ، فإنّ المتبادر إلى الذهن من إطلاق الأمر مادّة أو هيئة هو الوجوب والإلزام ، والتبادر علامة الحقيقة كما تقدّم سابقا.
وثانيا : الفهم العرفي ، فإنّ بناء العرف العامّ عند إطلاق الأمر مادّته أو هيئته هو دلالته على الوجوب ، مضافا إلى أنّ بناءهم وتعاملهم فيما بينهم على ذلك كما هو مقتضى سيرة الآمرين مع المأمورين العرفيّين ، والشارع ليس له طريقة جديدة على خلاف ما هو مرتكز عند العرف أو ما هو مبني عند العقلاء (١).
وهذا المقدار لا خلاف فيه تقريبا ، وإنّما الخلاف في توجيه وتفسير هذه الدلالة ، وأنّها على أي أساس تدلّ على الوجوب ، فهنا عدّة أقوال :
القول الأوّل : إنّ ذلك بالوضع (٢) ، بمعنى أنّ لفظ الأمر موضوع للطلب الناشئ من داع لزومي ، وصيغة الأمر موضوعة للنسبة الإرساليّة الناشئة من ذلك. ودليل هذا القول هو التبادر مع إبطال سائر المناشئ الأخرى المدّعاة لتفسير هذا التبادر.
القول الأوّل : ما ذهب إليه المشهور من كون الأمر بمادّته وهيئته موضوعا لغة للطلب الوجوبي الناشئ من داع لزومي.
__________________
(١) وثالثا : ما ذكره صاحب ( الكفاية ) وغيره من الاستشهاد للدلالة على الوجوب ببعض الآيات الشريفة كقوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) فإنّ التحذير من مخالفة تتناسب مع كون الأمر للوجوب لا للأعمّ أو لخصوص الندب.
وقوله صلىاللهعليهوآله : لو لا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك فإنّ المشقّة تتناسب مع الوجوب أيضا ؛ وذلك لعدم المشقّة في الندب.
(٢) كما عليه ظاهر عبارة الكفاية : ٨٣ و ٩٢.