فتكون دالّة على الطلب بتوسّط دلالتها على النسبة الإرساليّة ؛ وذلك لأنّ النسبة الإرساليّة تستبطن الدلالة على الطلب ؛ لأنّ مفهوم الطلب ينتزع من مفهوم الإرسال.
فإنّه إذا تحقّق الإرسال بإرسال الغير نحو المرسل إليه انتزع العقل من ذلك الطلب ؛ لأنّ هذا المرسل يسعى نحو المقصود وهو المرسل إليه ، ولمّا كانت الهيئة دالّة تصوّرا على النسبة الإرساليّة فهي تدلّ تصوّرا على الطلب المستبطن بداخلها ؛ لأنّها منشأ انتزاعه ومن الواضح أنّ الدلالة التصوّريّة هي المدلول الوضعي ، فتكون الهيئة موضوعة لغة للدلالة على الطلب كنسبة.
كما أنّ الصيغة نفسها بلحاظ صدورها بداعي تحصيل المقصود تكون مصداقا حقيقيّا للطلب ؛ لأنّها سعي نحو المقصود.
ثمّ إنّ صيغة الأمر ( افعل ) التي تدلّ على النسبة الإرساليّة وعلى الطلب تصوّرا ووضعا تكون تصديقا مصداقا حقيقيّا للطلب التكويني عند صدورها بلحاظ داعي تحصيل المقصود ؛ لأنّ الطلب التكويني هو السعي نحو المقصود مباشرة والوجه في ذلك : أنّ الصيغة بحسب مدلولها التصوّري كما قلنا تدلّ على النسبة الإرساليّة ، ولكنّها بحسب مدلولها التصديقي لها عدّة دواع ، فتارة تكون بداعي التّرجي ، وأخرى بداعي التمنّي ، وثالثة بداعي الالتماس ، ورابعة بداعي الطلب.
فإن لوحظ صدورهما بداعي الطلب كانت مصداقا حقيقيّا للطلب التكويني الذي هو السعي نحو المقصود ؛ وذلك لأنّ النسبة الإرساليّة أو الطلبيّة المدلول عليها تصوّرا يكون مدلولها التصديقي الحقيقي أو الأقرب من غيره هو الطلب الخارجي ؛ لأنّه من خلال الطلب الخارجي والسعي نحو المقصود خارجا تتحقّق النسبة الإرساليّة أو النسبة الطلبيّة على أساس أصالة التطابق بين المدلولين التصوّري والتصديقي ؛ لأنّ الدواعي الأخرى كالتمنّي والترجّي والالتماس ليس فيها سعي نحو المطلوب والمقصود في الخارج إلا مع العناية والتقدير. هذا كلّه بلحاظ الآمر وأمّا المأمور فسعيه نحو المقصود طلب تشريعي.
وممّا اتّفق عليه المحصّلون من الأصوليّين (١) تقريبا دلالة الأمر ـ مادّة وهيئة ـ على الوجوب ، بحكم التبادر وبناء العرف العامّ على كون الطلب الصادر من المولى
__________________
(١) انظر : كفاية الأصول : ٨٣ و ٩٢. أجود التقريرات ١ : ٨٧. المقالات ١ : ٢٠٨ و ٢٢.