والنتيجة هي أنّ الشارع مهمّته أن ينشأ ما يكون دالاّ على البعث والطلب وهو الأمر مادّة أو هيئة ؛ لأنّ وظيفته إيجاد العلّة أو الموجب والمقتضي فقط.
وأمّا التحرّك والانبعاث نحو المقصود والمطلوب فهو ليس من وظيفة الشارع ، بل إنّ العقل يحكم بذلك على أساس أنّ المولى له حقّ الطاعة على عبده.
فالعبد يحكم العقل عليه بوجوب الإطاعة والامتثال لطلب مولاه وبعثه وتحريكه.
وحينئذ يقال : إنّ هذا الطلب إذا اقترن بما يدلّ على جواز المخالفة والإذن والترخيص في الترك من الشارع فعندئذ لا يحكم العقل بالانبعاث والتحرّك ؛ لأنّ المولى نفسه قد سمح بذلك ، ولذلك يحكم العقل بأنّ هذا الطلب متّصف بالاستحباب ، أي البعث نحو المقصود مع جواز الترك.
وأمّا إذا لم يقترن هذا الطلب بما يدلّ على جواز المخالفة والترخيص في الترك فإنّ العقل يحكم بوجوب الإطاعة والامتثال والانبعاث نحو المقصود الذي طلبه المولى وبعث العبد إليه ، وعندئذ ينتزع العقل وصف الوجوب.
فالحاصل : أنّ الوجوب والاستحباب ليسا مدلولين وضعيّين لفظيّين لمادّة الأمر وصيغته ، بل المدلول الوضعي اللفظي للمادّة والصيغة هو الطلب.
وأمّا الوجوب والاستحباب فهما من شئون العقل ، فإنّ العقل ينتزع صفة الوجوب من كلّ طلب لم يقترن بالترخيص وجواز المخالفة ، وينتزع صفة الاستحباب من كلّ طلب اقترن بالترخيص وجواز المخالفة.
ومن هنا كان تعريف الوجوب أنّه الطلب الذي لا يجوز تركه بينما الاستحباب هو الطلب الذي يجوز تركه ؛ لأنّه طلب مقترن بالترخيص في الترك.
ويرد عليه :
أوّلا : أنّ موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال لا يكفي فيه مجرّد صدور الطلب مع عدم الاقتران بالترخيص ؛ لوضوح أنّ المكلّف إذا اطّلع ـ بدون صدور ترخيص من قبل المولى ـ على أنّ طلبه نشأ من ملاك غير لزومي ، ولا يؤذي المولى فواته ، لم يحكم العقل بلزوم الامتثال.
ويرد أوّلا على ما ذكره المحقّق النائيني ـ من أنّ العقل يحكم بالوجوب إذا صدر