الإطلاق ومقدّمات الحكمة. وبين هذه الأقوال الثلاثة فوارق ليس نظريّة فقط ، بل هناك فوارق عمليّة نذكر بعضها :
ومن جملتها : أنّ إرادة الاستحباب من الأمر مرجعها على القول الأوّل إلى التجوّز واستعمال اللفظ في غير ما وضع له ، ومرجعها على القول الأخير إلى تقييد الإطلاق ، وأمّا على القول الوسط فلا ترجع إلى التصرّف في مدلول اللفظ أصلا.
من الفوارق النظرية : أنّه إذا ورد أمر من قبيل ( أكرم العالم ) وكان هناك قرينة لفظيّة أو لبيّة على أنّ المراد من الأمر هنا هو الاستحباب لا الوجوب ، فكيف يتمّ تخريج ذلك؟
أمّا بناء على القول بالوضع فتكون الصيغة موضوعة لغة للطلب الناشئ من داع لزومي ، وعليه فاستعماله في الطلب الناشئ من داع غير لزومي الذي هو الاستحباب يكون من باب المجاز ؛ لأنّه استعمال للّفظ في غير المعنى الذي وضع له ، والمصحّح لهذا الاستعمال المجازي هو وجود المناسبة والمشابهة بين المعنيين. وهذا يعني أنّ إرادة الاستحباب من الأمر فيها تصرّف في مدلول اللفظ اللغوي.
وأمّا بناء على القول بأنّ الدلالة على الوجوب بحكم الإطلاق ومقدّمات الحكمة ، فاللفظ موضوع لغة للجامع بين الوجوب والاستحباب ، فلا مجازيّة في استعماله في الاستحباب كما لا مجازيّة في استعماله في الوجوب ؛ لأنّ اللفظ صالح للانطباق عليهما.
غاية الأمر أنّه يلزم تقييد الإطلاق في مرحلة المراد الجدّي أي المدلول التصديقي الثاني ، وأمّا المدلول الاستعمالي والمدلول التصوّري فتارة يبقيان على حالهما وأخرى ينتفيان ؛ وذلك لأنّه إذا كان القيد متّصلا كما في ( أكرم العالم العادل ) فإنّ المدلول الوضعي ينعقد وفقا للصورة المقيّدة ، فتكون مستعملة في المقيّد ابتداء ، وإذا كان القيد منفصلا كما في ( أكرم العالم ) ثمّ ورد ( لا يجوز إكرام الفاسق ) فيكون المدلول الوضعي والاستعمالي مستعملين في المطلق. غاية الأمر كون المراد الجدّي واقعا ليس هو المطلق وإنّما هو المقيّد.
وهذا يعني أنّه يوجد تصرّف في مدلول اللفظ وهو المدلول التصديقي الثاني دائما. وأمّا المدلولين التصوّري والاستعمالي فقد يتصرّف بهما وقد لا يتصرّف.