وأمّا بناء على القول بأنّ الدلالة على الوجوب بحكم العقل فهنا لا مجازيّة ولا تصرّف في المدلول أصلا لا تصوّرا ولا استعمالا ولا جدّا ، وذلك لأنّ الأمر موضوع للطلب أو النسبة الإرساليّة المتضمّنة للطلب ، والوجوب والاستحباب وصفان منتزعان عقلا من ورد الترخيص وعدم وروده ، وهذا يعني أنّ اللفظ مدلوله التصوّري والاستعمالي والجدّي هو الطلب ، وهذا محفوظ في موارد الوجوب وموارد الاستحباب ؛ لأنّهما خارجان عن مدلول اللفظ ولا يستفادان من اللفظ ، وإنّما يستفادان من حكم العقل المعلّق على الترخيص وعدمه ، وهذا معناه أنّه لا يوجد تصرّف أصلا على هذا القول ؛ لأنّ المدلول محفوظ في المراحل الثلاث : التصوّرية والاستعماليّة والجدّيّة.
وعليه ، فإذا جاءت أوامر متعدّدة في سياق واحد ، وعلم أنّ أكثرها أوامر استحبابيّة.
من الفوارق العمليّة أنّه إذا وردت أوامر متعدّدة في سياق واحد كما إذا قيل : ( اغتسل للجمعة وللعيدين وللجنابة وللزيارة ) ، أو ( اغتسل للجمعة ، اغتسل للعيدين ، اغتسل للجنابة ، اغتسل للزيارة ).
ثمّ علم من الخارج أنّ أكثرها أوامر استحبابيّة وليست وجوبيّة ، فهل يختلّ السياق الظاهر في كون الأوامر مستعملة في معنى واحد أو لا؟ فإنّ وحدة السياق دليل عرفا وعادة على وحدة المعنى ، فإذا علم بأنّ أكثر هذه الأوامر للاستحباب فهل ظهور الباقي في الوجوب يختلّ حفاظا على وحدة السياق ، أو أنّ وحدة السياق تختلّ فيكون بعض الأوامر للوجوب وبعضها للاستحباب؟
والجواب على هذا يختلف باختلاف المباني ، فنقول :
اختلّ ظهور الباقي في الوجوب على القول الأوّل ؛ إذ يلزم من إرادة الوجوب منه حينئذ تغاير مدلولات تلك الأوامر مع وحدة سياقها ، وهو خلاف ظهور السياق الواحد في إرادة المعنى الواحد من الجميع.
على القول الأوّل بأنّ الأمر موضوع لغة للوجوب يلزم اختلال ظهور الباقي في الوجوب ولا تشمله وحدة السياق ؛ لأنّ وحدة السياق ظاهرة في كون الأوامر كلّها مستعملة في معنى واحد ، بينما اختلاف وتغاير مدلولات تلك الأوامر معناه أنّ وحدة