الأوامر الإرشاديّة
ومهما يكن فالأصل في دلالة الأمر أنّه يدلّ على طلب المادّة وإيجابها ، ولكنّه يستعمل في جملة من الأحيان للإرشاد.
بناء على ما تقدّم فالأصل في دلالة الأمر سواء المادّة أو الهيئة أنّه يدلّ على طلب الفعل ، وأنّ هذا الطلب ناشئ من داع لزومي ، فهو يدلّ على الوجوب على اختلاف الأقوال في كيفيّة هذه الدلالة.
إلا أنّ الأمر قد يخرج عن هذه الدلالة كلّيّا فلا يكون دالاّ على طلب الفعل أصلا فضلا عن كونه وجوبا أو استحبابا ، وإنّما يكون مستعملا للإرشاد الى شيء آخر ينتزع ويفهم من الكلام ، كما في الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة والصحّة والبطلان ونحو ذلك.
وتوضيح ذلك :
فالأمر في قولهم : ( استقبل القبلة بذبيحتك ) ليس مفاده الطلب والوجوب ؛ لوضوح أنّ شخصا لو لم يستقبل القبلة بالذبيحة لم يكن آثما ، وإنّما تحرم عليه الذبيحة. فمفاد الأمر إذا الإرشاد إلى شرطيّة الاستقبال في التذكية ، وقد يعبّر عن ذلك بالوجوب الشرطي باعتبار أنّ الشرط واجب في المشروط.
إذا قيل : ( استقبل القبلة بذبيحتك ) فهذا الأمر ليس مفاده ومدلوله الطلب والوجوب النفسي التكليفي للاستقبال ، بحيث يجب عليه الإطاعة والامتثال وإذا خالف يكون مستحقّا للعقاب ؛ لأنّه من الواضح أنّ من خالف ولم يستقبل القبلة عند الذبح لم يكن آثما وعاصيا ولا يستحقّ العقاب ، وكذلك من أطاع واستقبل القبلة لم يكن مستحقّا للثواب ، ومن المعلوم أنّ الطلب والوجوب النفسي يستلزم العقاب على الترك والمخالفة ويستتبع الثواب على الالتزام والإطاعة. وهذا يعني أنّ هذا الأمر ليس مفاده الوجوب النفسي الذي تقدّم الحديث عنه.