وإنّما المفاد هنا الإرشاد إلى نكتة أخرى وهي أنّ الاستقبال شرط في الذبح ، بحيث إنّه إذا لم يستقبل ترتّب على ذلك حكم آخر وهو عدم الصحّة أو عدم الحليّة والتذكية ، والتي هي من الأحكام الوضعيّة التي يترتّب عليها بعض الأحكام التكليفيّة كحرمة الأكل مثلا.
فهذا الأمر يتفرّع منه مفهوم الشرطيّة ، ولذلك يعبّر عنه بالوجوب الشرطي والمقصود من هذا التعبير أنّ الاستقبال شرط في تحقّق المشروط وهو التذكية ، فيتّصف الاستقبال بالشرطيّة ؛ لأنّه إذا تحقّق تحقّق المشروط وإذا انتفى انتفى المشروط ، ويتّصف بالوجوب أيضا ، والمقصود الوجوب الوضعي بمعنى أنّه دخيل في المشروط وجودا وعدما.
والأمر في ( اغسل ثوبك من البول ) ليس مفاده طلب الغسل ووجوبه ، بل الإرشاد إلى نجاسته بالبول ، وأنّ مطهّره هو الماء.
وكذلك الحال في قولنا : ( اغسل ثوبك من البول ) ، فإنّ الأمر ليس مفاده هنا الوجوب النفسي التكليفي المستتبع للثواب والعقاب على الامتثال والمخالفة ؛ لوضوح أنّ من يخالف ولا يغسل الثوب لا يكون عاصيا وآثما ، وإنّما المراد من هذا الأمر هو الإرشاد إلى شيء آخر وهو أنّ البول سبب للنجاسة ، وأنّ الثوب المتنجّس بالبول يطهر بغسله بالماء.
ومن المعلوم أنّ النجاسة والطهارة من الأحكام الوضعيّة التي يترتّب عليهما أحكام أخرى من قبيل حرمة شرب الماء المتنجّس ، وعدم صحّة الوضوء به ، وعدم صحّة الصلاة بالثوب الملاقي للبول ، وهكذا.
فمثل هذا الأمر يسمّى بالأمر الإرشادي أيضا.
وأمر الطبيب للمريض باستعمال الدواء ليس مفاده إلا الإرشاد إلى ما في الدواء من نفع وشفاء.
وهذا الأمر الإرشادي في الشريعة الإسلاميّة له مناظر في الأحكام العرفيّة العقلائيّة ، كما في أوامر الطبيب للمريض بأن يستعمل الدواء المعيّن. فإنّ العرف لا يحمل أمر الطبيب على الوجوب النفسي التكليفي كما يحمل أوامر الرئيس والسيّد على ذلك.