لأنّ افتراض الاستحباب يستوجب تقييدا زائدا في الشخص الذي يكون الإخبار بلحاظه ، إذ لا يكفي في صدق الإخبار فرضه ممّن يطبّق عمله على الموازين الشرعيّة ، بل لا بدّ من فرض أنّه يطبّقه على أفضل تلك الموازين.
أمّا على الوجه الأوّل في تفسير دلالة الجملة الخبريّة على الطلب ، وأنّه توجد عناية في الشخص المخبر عنه بأنّه ممّن يطبّق أعماله وفقا للموازين الشرعيّة ، فتكون هذه العناية بنفسها دالّة أيضا على أنّ الطلب هنا هو الطلب الوجوبي ؛ لأنّ فرض هذا الشخص كونه ملتزما لا يعصي ولا يخالف ، بل ينقاد ويمتثل معناه أنّه امتثل وأطاع نتيجة وجود أمر وطلب ناشئ من داع لزومي فيه محركيّة وباعثيّة لكي يتحقّق الانبعاث والتحرّك منه ، والطلب الذي يكون بهذا الداعي إنّما هو الوجوب ، فكانت تلك العناية كافية في الدلالة على الوجوب أيضا ولا تحتاج إلى مئونة زائدة عليها.
وأمّا إرادة الاستحباب من الطلب المفاد تصوّرا من هذه الجملة فهو لا يكفي فيه تلك العناية الدالّة على الطلب ، بل لا بدّ من وجود عناية أخرى زائدة ؛ وذلك لأنّ فرض الشخص ممّن يطبّق أعماله على الموازين الشرعيّة وحده لا يكفي ، بل لا بدّ من قيد زائد في هذا الشخص ، وهو أنّه يطبّق أعماله على أفضل وأكمل وأحسن الموازين الشرعيّة. فهنا يستفاد الاستحباب ؛ لأنّه الفرد الأكمل والأفضل.
وحينئذ نقول : إنّ إطلاق الجملة الخبريّة يستفاد منه تلك العناية الدالّة على أنّ الشخص ممّن يطبّق أعماله على الموازين الشرعيّة والتي تدلّ على الوجوب. وأمّا الاستحباب فهو يحتاج إلى عناية إضافية وقيد زائد.
فعند الإطلاق وعدم وجود ما يدلّ على القيد الزائد نتمسّك بقرينة الحكمة لنفي العناية الإضافيّة والقيد الزائد ، حيث يدور الأمر بين مفهومين ، النسبة بينهما الأقلّ والأكثر من جهة العناية ، فيتعيّن بالإطلاق وقرينة الحكمة العناية الأقلّ الدالّة على الوجوب ؛ لأنّه لو أراد الاستحباب ولم يذكر ما يدلّ على العناية الإضافيّة فيه كان خارقا للفهم العرفي ولأساليب المحاورة والتفاهم عندهم.
وأمّا بناء على الوجه الثاني فتدلّ الجملة على الوجوب أيضا ؛ لأنّ الملازمة بين الطلب والنسبة الصدوريّة المصحّحة للإخبار عن الملزوم ببيان اللازم إنّما هي في