المرّة والتكرار
كما أنّ الأمر لا يدلّ على المرّة ولا على التكرار ، أي أنّه لا يستفاد منه لزوم الإتيان بفرد واحد أو بأفراد كثيرة ، وإنّما تلزم به الطبيعة ، والطبيعة بعد إجراء قرينة الحكمة فيها يثبت إطلاقها البدلي فتصدق على ما يأتي به المكلّف من وجود لها ، سواء كان في ضمن فرد واحد أو أكثر.
المقصود من المرة هو لزوم الإتيان بالواجب المأمور به مرّة واحدة فقط ، بينما المقصود من التكرار لزوم الإتيان بالفعل أكثر من مرّة ، بل مرّات عديدة.
وهنا نقول : إنّ الأمر لا يدلّ بحسب المدلول الوضعي التصوّري لا على المرّة ولا على التكرار ؛ لأنّه يدلّ على الطلب والإرسال فقط بنحو المعنى الاسمي في المادّة وبنحو المعنى الحرفي في الهيئة.
وهذا يعني أنّ الأمر لا يقتضي إلا تحقّق النسبة بين الفعل والفاعل ، أي يتعلّق بالمادّة التي هي متعلّق الأمر ، كما إذا قيل : ( أكرم العالم ) فإنّ الوجوب متعلّق بالإكرام الذي هو المادّة ، وهذه المادّة بعد إجراء الإطلاق ومقدّمات الحكمة يثبت كونها مطلقة ، أي يراد إيجاد وتحقيق طبيعي الإكرام.
ومن المعلوم أنّ الطبيعي يتحقّق ويوجد بفرد واحد من أفراده ، وهذا يعني أنّ الإطلاق هنا بدلي ؛ لأنّه مخيّر في هذا الفرد الواحد من بين الأفراد جميعا ، وهذا الفرد الواحد كما يصدق في ضمن المرّة كذلك يصدق في ضمن المرّات الكثيرة ؛ لأنّ الطبيعة كما تصدق في الفرد الواحد تصدق أيضا في الأكثر ، ولذلك يكون الإتيان بالإكرام مرّة واحدة امتثالا وإطاعة ؛ لأنّه يحقّق المأمور به ، وكذلك لو أتي بالإكرام مرّات عديدة في عرض واحد إلا أنّه لا يتعيّن هذا دون ذلك ؛ إذ لا معيّن لأحدهما دون الآخر.