فلو قال الآمر : ( تصدّق ) تحقّق الامتثال بإعطاء فقير واحد درهما كما يتحقّق بإعطاء فقيرين درهمين في وقت واحد ، وأمّا إذا تصدّق المكلّف بصدقتين مترتّبتين زمانا فالامتثال يتحقّق بالفرد الأوّل خاصّة.
فمثلا لو قال المولى : ( تصدّق على الفقير ) فهنا متعلّق الأمر هو التصدّق ، وبعد إجراء الإطلاق ومقدّمات الحكمة يثبت الإطلاق البدلي ، أي يجب التصدّق بفرد واحد من أفراد التصدّق على سبيل البدل والتخيير بين أفراده جميعا.
وعندئذ فإذا تصدّق المكلّف على فقير فأعطاه درهما فهو ممتثل مطيع للأمر ؛ لأنّه حقّق الطبيعة بفرد من أفرادها.
وإذا تصدّق على فقيرين معا في عرض واحد بأن أعطى لكلّ منهما درهما في زمان واحد فهو ممتثل بهما معا ؛ لأنّ الطبيعة تتحقّق بالأكثر ولا ترجيح لأحدهما على الآخر.
وأما إذا تصدّق على زيد الفقير فأعطاه درهما ثمّ بعد ذلك وبعد فاصل زماني تصدّق على عمرو فأعطاه درهما ، فهو يكون ممتثلا بالتصدّق الأوّل ؛ لأنّه يحقّق الطبيعة فإذا تحقّق متعلّق الأمر الذي هو التصدّق سقط الأمر عن الفاعليّة ، فلا موجب ولا مبرّر لامتثاله مرّة أخرى بنحو الوجوب ، فيكون التصدّق على الثاني ليس امتثالا للأمر والوجوب ؛ لأنّه سقط بتحقق متعلّقه ، ومع سقوط الأمر به لا يكون مأمورا ولا يكون فعله امتثالا لأمر المولى ؛ إذ لا أمر للمولى ليمتثل فهو من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، أي أنّ الامتثال موضوعه الأمر وحيث إنّه لا أمر فلا امتثال أيضا.