نقول : إنّ الدلالتين التصوريّة والتصديقيّة الأولى يحقّقان بمجموعهما الصغرى ؛ لأنّ ما قاله يثبت من خلال ذكر ما يدلّ على الصورة الذهنيّة واستعماله بقصد إخطار هذه الصورة في الذهن.
فاللفظ يدلّ على الصورة الذهنيّة واستعماله بمعناه التصوّري يدلّ على قصد إخطاره في الذهن ، ومجموعهما يكوّن أنّ هذا ما قاله.
وحينئذ تطبّق الكبرى ( ما يقوله يريده ) لإثبات أنّ هذا هو مراده الجدّي على أساس التطابق بين الدلالات الثلاث.
وقاعدة الاحترازيّة التي تقوم على أساس هذا الظهور تقتضي انتفاء الحكم بانتفاء القيد ، إلا أنّها إنّما تنفي شخص الحكم المدلول لذلك الخطاب ، ولا تنفي أي حكم آخر من قبيله ، وبهذا اختلفت عن المفهوم في موارد ثبوته حيث يقتضي انتفاء طبيعي الحكم وسنخه بانتفاء الشرط ، على ما تقدّم في الحلقة السابقة (١).
ثمّ إنّ قاعدة احترازيّة القيود ـ التي أساسها أصالة التطابق الذي مرجعه إلى ظهور حال المتكلّم في أنّه كلّ ما يقوله فهو يريده جدّا ـ تقتضي انتفاء الحكم بانتفاء القيد.
فإذا قيل : ( أكرم الفقير العادل ) ووجد في الخارج فقير غير عادل فلا يجب إكرامه ؛ لأنّ ذكر القيد في الكلام إثباتا يدلّ على أنّ له مدخليّة في ثبوت الحكم ، فمع عدمه ينتفي الحكم.
إلا أنّ نفي الحكم عن الفاقد للقيد والوصف لا على أساس أنّ للجملة مفهوما ، فإنّ المشهور هو عدم ثبوت المفهوم للجملة الوصفية كما سيأتي ، وإنّما ينتفي الحكم على أساس ذاك الظهور ، وهو لا يقتضي أكثر من انتفاء الحكم عند فقدان الوصف ، ولكنّه لا يمنع من ثبوت الحكم بوصف آخر لهذا الفرد الفاقد للقيد يكون مشابها لهذا الحكم.
وعليه ، فيكون المنتفي بقاعدة الاحترازيّة هو شخص الحكم الذي كان موضوعا مقيدا بهذا القيد عن الفرد الفاقد للقيد ، وليس المنتفي هو كلّي وطبيعي الحكم عن الفرد الفاقد للقيد في كلّ الأحوال وعلى الإطلاق.
وبهذا اختلفت القاعدة عن موارد المفهوم في حالات ثبوته كما في جمل الغاية
__________________
(١) في بحث المفاهيم ، تحت عنوان : تعريف المفهوم.