والحصر. فإذا قيل مثلا : ( لا تكرم إلا العالم ) أو ( إنّما يجب إكرام العالم ) دلّ ذلك على انتفاء طبيعي وكلّي وجوب الإكرام عن غير العالم ، كما سيأتي.
وأمّا هنا فلا ينتفي في قولنا : ( أكرم الفقير العادل ) إلا شخص وجوب الإكرام عن الفقير غير العادل ، ولكن قد يثبت وجوب الإكرام للفقير بطريق آخر غير العدالة ، كأن يكون عالما مثلا ويأتي دليل يدلّ على وجوب إكرام العالم مطلقا ، سواء الفقير وغيره وسواء العادل وغيره.
وأمّا في الحالة الثانية فقد أنيط الحكم في مرحلة المدلول التصوّري بذات الفقير ، وقد تقدّم أنّ مدلول اسم الجنس لا يدخل فيه التقييد ولا الإطلاق ، والدلالة التصديقيّة الأوّليّة إنّما تنطبق على ذلك بمقتضى التطابق بينها وبين الدلالة التصوريّة للكلام.
وبهذا ينتج أنّ المتكلّم قد أفاد بقوله ثبوت الحكم للفقير ، ولم يفد دخل قيد العدالة في الحكم ولم يقل ذلك ، لا أنّه أفاد الإطلاق وقال به ؛ لأنّ صدق ذلك يتوقّف على أن يكون الإطلاق دخيلا في مدلول اللفظ وضعا ، وقد عرفت عدمه.
وأمّا في الحالة الثانية : أي إذا قال الشارع : ( أكرم الفقير ) ، فقد تقدّم سابقا أنّ اسم الجنس موضوع للدلالة على الماهيّة بما هي هي من دون مدخليّة للتقييد والإطلاق فيها ، فالتقييد والإطلاق ليسا داخلين في الدلالة الوضعيّة لاسم الجنس. ولذلك فالحكم هنا معلّق ومنصبّ على الفقير ذاته من دون مدخليّة لوصف الإطلاق أو التقييد ، مع كونه صالحا للانطباق عليهما.
وحينئذ نقول : إنّ المدلول الوضعي لاسم الجنس ـ والذي هو ذات الفقير ـ هو المدلول تصوّرا ـ لأنّ الدلالة التصوّريّة هي الصورة الذهنيّة التي يدلّ عليها اللفظ واسم الجنس ـ لا يدلّ على أكثر من الماهيّة ذاتها ، وعلى أساس أصالة التطابق بين المدلولين التصوّري والتصديقي الأوّل نثبت أنّ المتكلّم قد قصد استعمال اللفظ في الصورة الذهنيّة التي يدلّ عليها وضعا وتصوّرا. فيكون المراد الاستعمالي هو ذات الفقير أيضا مجرّدة عن التقييد والإطلاق.
فينتج من ذلك أنّ الحكم ثابت على الفقير بذاته ؛ لأنّ المتكلّم قد أفاد ذلك من الكلام الذي قاله ، ولم يثبت أنّه أفاد التقييد وأنّ العدالة دخيلة في الحكم ؛ لأنّه لم يقل