الحصّة هي القدر المتيقّن من المطلق بحيث لا يمكن إخراجها منه فيما لو أريد التقييد ، وكان مع ذلك المطلق يحتمل أن يكون شاملا لكلّ الحصص الأخرى ، فهنا لو اعتمد المتكلّم على هذا القدر المتيقّن من الكلام لإرادة التقييد لكان كلامه وافيا بذلك أيضا ؛ لصحّة الاعتماد على ما اكتنف كلامه من قيود.
مثال ذلك : سؤال السائل للإمام عن ماء بئر ( بضاعة ) فأجابه الإمام : « خلق الله الماء طهورا » ، ومثاله أيضا أن يسأل شخص عن وجوب إكرام الفقير العادل هل يجب أو لا؟ فيجيبه : أنّه يجب إكرام الفقير.
فهنا يمكن أنّ المتكلّم يريد الإطلاق من كلامه ؛ لأنّه لم يذكر في كلامه ما يدلّ على التقييد. ولكن مع ذلك يمكن أن يكون مريدا للتقييد واعتمد على ما ذكره السائل من قيد واكتفى به. فكلا الأمرين محتمل.
وهذا النحو يسمّى بالقدر المتيقّن في مقام التخاطب ، وهنا وقع البحث بينهم في أنّ هذا القدر المتيقّن هل يكفي لتعيين التقييد أو لا يكفي لذلك ، بل يبقى الكلام على إطلاقه؟ فهنا قولان :
وقد اختار صاحب ( الكفاية ) رحمهالله (١) أنّ هذا يمنع من دلالة الكلام على الإطلاق ، إذ في هذه الحالة قد يكون مراده مختصّا بالقدر المتيقّن وهو الفقير العادل في المثال ؛ لأنّ كلامه واف ببيان القدر المتيقّن ، فلا يلزم حينئذ أن يكون قد أراد ما لم يقله.
ذهب صاحب ( الكفاية ) إلى أنّ القدر المتيقّن في مقام التخاطب يمنع من دلالة الكلام على الإطلاق وذلك لاختلال مقدّمات الحكمة أو على الأقلّ لا يحرز تحقّق هذه المقدّمات.
وتوضيح ذلك : أنّ مقدّمات الحكمة إن كانت تعتمد على ظهور حال المتكلّم في أنّه في مقام بيان تمام مراده للمخاطب ، فهنا يكون هذا القدر المتيقّن مانعا عن انعقاد مقدّمات الحكمة ؛ وذلك لأنّ مراده الذي يريد إفهامه للسامع مختصّ بالقدر المتيقّن لوضوحه لدى السامع ؛ ولأنّه يصحّ للمتكلّم أن يعتمد على هذا القدر الموجود عند المخاطب ولا يذكره في كلامه ما دام يريد تفهيمه بالخصوص ؛ لأنّ المخاطب قد ارتكز
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٨٧.