وأمّا الحكم الوضعي فهو ليس محتويا لمبادئ الحكم التكليفي ، وإنّما هو خطاب يتعلّق بأمور لها تأثير على أفعال الإنسان فيكون له توجيه عملي لأفعال الإنسان بصورة غير مباشرة. فالحكم الوضعي ينصبّ على مسائل خارجيّة لها تأثير على سلوك الإنسان وفعله ، ولكن لا ينصبّ مباشرة عليها كالشرطيّة والسببيّة والمانعيّة والصحّة والفساد والجزئيّة ، بل على الأمور الانتزاعيّة كالزوجيّة والرقيّة ونحوهما ، ثمّ إنّ الحكم الوضعي يقسم إلى قسمين :
الأوّل : ما كان واقعا موضوعا للحكم التكليفي ، كالزوجيّة الواقعة موضوعا لوجوب الإنفاق ، والملكيّة الواقعة موضوعا لحرمة تصرّف الغير في المال بدون إذن المالك.
القسم الأوّل من الأحكام الوضعيّة هو : الأحكام الوضعيّة الواقعة موضوعا لحكم تكليفي بحيث يكون الحكم الوضعي متقدّما وسابقا من حيث الرتبة على الحكم التكليفي ، فإنّه بعد فرض وجود الحكم الوضعي يفرض ترتّب الحكم التكليفي عليه مثال ذلك : مفهوم الزوجيّة المنتزع من عقد الزواج بين الرجل والمرأة ، فإنّ مفهوم الزوجيّة قد جعل موضوعا لكثير من الأحكام التكليفيّة سواء من طرف الزوج أو الزوجة ، فيجب الإنفاق على الزوج ويجب التمكين على المرأة.
وكذلك الحال بالنسبة لمفهوم الملكيّة المنتزع من العقد الواقع بين البائع والمشتري ، فإنّ مفهوم الملكيّة يقع موضوعا لبعض الأحكام التكليفيّة كحرمة تصرّف البائع بالسلعة من دون إذن المشتري ، وكوجوب تسليم السلعة إلى المشتري ونحو ذلك.
وهذا القسم يفترض فيه أوّلا الحكم الوضعي ثمّ ينشأ في طوله الحكم التكليفي.
الثاني : ما كان منتزعا عن الحكم التكليفي ، كجزئيّة السورة للواجب المنتزعة عن الأمر بالمركّب منها ، وشرطيّة الزوال للوجوب المجعول لصلاة الظهر المنتزعة عن جعل الوجوب المشروط بالزوال.
القسم الثاني من الأحكام الوضعيّة هو : الأحكام الوضعيّة المنتزعة من الحكم التكليفي ، وهذا معناه افتراض الحكم التكليفي أوّلا ثمّ ينتزع منه الحكم الوضعي وفي طوله ، ولا يعقل وجود الحكم الوضعي إلا بعد افتراض وجود الحكم التكليفي ؛ لكونه منتزعا منه ، ومثاله : عنوان الجزئيّة المنتزع من الأمر بالمركّب منها كوجوب الصلاة