وكذلك يكون الإطلاق مرتبطا بعالم الألفاظ والمدلول التصوّري الوضعي ، وليس مرتبطا بالمدلول التصديقي الثاني والمراد الجدّي فقط. وهذا فارق جوهري وأساسي بين القولين المتقدّمين في حقيقة اسم الجنس والمعنى الموضوع له.
التنبيه الثاني : أنّ الإطلاق تارة يكون شموليّا يستدعي تعدّد الحكم بتعدّد ما لطرفه من أفراد ، وأخرى بدليّا يستدعي وحدة الحكم. فإذا قيل : ( أكرم العالم ) كان وجود الإكرام متعدّدا بتعدّد أفراد العالم ، ولكنّه لا يتعدّد في كلّ عالم بتعدّد أفراد الإكرام.
التنبيه الثاني : في الإطلاق الشمولي والإطلاق البدلي ولا إشكال في أنّ الإطلاق تارة يكون شموليّا وأخرى يكون بدليّا.
والمراد من الشموليّة هنا أنّ الإطلاق يستدعي ويستلزم تعدّد الحكم وتكثّره بلحاظ تعدّد وكثرة ما لطرفه من أفراد ، فيسري الحكم من الماهيّة إلى أفرادها جميعا ، كما في قوله تعالى : ( أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ ) ، فإنّ الحكم المنصبّ على ماهيّة البيع يسري ويتعدّد ويتكثّر بلحاظ تعدّد وتكثّر أفراد البيع في الخارج ، فيكون كلّ بيع حلالا أي كلّ فرد فرد من أفراد البيع متّصفا بالحلّيّة.
ومثاله أيضا ( لا تكذب ) فإنّ الحرمة متعلّقة بالكذب ، لكنّه ينحلّ ويسري إلى الأفراد جميعا فكلّ فرد فرد من أفراد الكذب حرام ، وهكذا.
والمراد من البدليّة أنّ الإطلاق يستدعي ويستلزم وحدة الحكم فلا يتعدّد ولا يتكثّر ، بل يبقى ثابتا للماهيّة فقط ولا يسري منها إلى أفرادها وإن كانت كثيرة جدّا ، بحيث لا يقتضي أكثر من إيجاد هذه الطبيعة فقط ولو في فرد واحد من أفرادها ، ولا يوجب إيجاد كلّ الأفراد ، ومثاله ( أعتق رقبة ) فإنّ وجوب العتق منصبّ على ماهيّة الرقبة ، وهنا لا يجب إلا عتق رقبة واحدة فقط ، أي إيجاد فرد واحد لا كلّ فرد من أفراد الرقبة يتّصف بالوجوب. فالحكم ثابت للماهيّة فقط والتي تتحقّق بفرد واحد ، ولا يسري إلى أفرادها ، وكذلك ( صلّ ) فإنّه وجوب واحد متعلّق بماهيّة الصلاة ولا يسري إلى كلّ أفرادها أيضا ، وهكذا.
وقد يكون في دليل واحد إطلاق شمولي من جهة وإطلاق بدلي من جهة أخرى ، كما في قولنا : ( أكرم العالم ) ، فمن جهة ( أكرم ) يكون الإطلاق بدليّا بمعنى أنّه يجب