وهذا الفرق بين متعلّق النهي ومتعلّق الأمر في وحدة العقاب وتعدّده فرع الشموليّة والبدليّة في متعلّقيهما ، حيث إنّ الإطلاق في متعلّق النهي شمولي وهو يقتضي تعدد الحكم ، وبالتالي تعدّد العقاب والعصيان. بينما الإطلاق في متعلّق الأمر بدلي وهو يقتضي وحدة الحكم ووحدة العقاب والعصيان.
ولكن قد يتجاوز هذا ويفترض النهي في حالة لا يعبّر إلا عن تحريم واحد ، كما في النهي المتعلّق بماهيّة لا تقبل التكرار ، من قبيل ( لا تحدث ) بناء على أنّ الحدث لا يتعدّد ، ففي هذه الحالة يكون التحريم واحدا كما أنّ الوجوب في ( صلّ ) واحد.
وهنا مورد نخرج فيه عن الأصل ، حيث تقدّم أنّ الأصل في متعلّق النهي هو الشموليّة.
وهذا الاستثناء يكون فيه الإطلاق في متعلّق النهي بدليّا خلافا للأصل ، وذلك فيما إذا كان النهي متعلّقا بماهيّة وطبيعة لا تقبل التكرار والتعدّد ، فحينئذ لا يكون هناك إلا تحريم واحد وله عقاب واحد فقط ، من قبيل ( لا تحدث ) أو ( لا تفطر ) ؛ إذ الحدث والإفطار لا يتعدّد ولا يتكرّر ؛ لأنّ من أحدث بالبول مثلا صار محدثا ، فإذا أحدث بالغائط أيضا أو بالنوم لم يحدث من جديد ، بناء على أنّ المراد من الحدث هو الحدث بعد الطهارة فلا يشمل موارد الحدث بعد الحدث.
وهكذا في قوله ( لا تفطر ) فإنّ من أفطر بالأكل صار مفطرا وتحقّقت طبيعة الإفطار في الخارج ، فإذا شرب بعد ذلك لا يقال : إنّه أفطر مرّة ثانية ؛ لأنّ الإفطار لا يشمل إلا من تناول المفطر بعد أن كان صائما والذي تناول الماء بعد الأكل لم يفطر بعد صيامه ، وإنّما أفطر بعد إفطار.
وهذه المسألة محلّ كلام عندهم ؛ إذ يوجد قولان : أحدهما أنّ الحدث والإفطار لا يتكرّران ، والآخر أنّهما يتكرّران.
فبناء على عدم تكرّرهما سوف يكون النهي المتعلّق بالحدث وبالإفطار نهيا واحدا فقط ؛ لأنّ الحدث أو الإفطار يتحقّق بالفرد الأوّل منهما دون الثاني والثالث ، وهكذا.
فكما أنّ متعلّق الأمر في ( صلّ ) يكون فيه حكم واحد أو عصيان واحد ، كذلك الحال هنا يكون هناك تحريم واحد أو عصيان واحد.
وهذا المورد خرج عن الأصل بقرينة أنّ الماهيّة لا تتعدّد ولا تتكرّر في الخارج.