الكذب ، وكلّ كذب حرام بحرمة تخصّه ، ولو كذب المكلّف كذبتين يعصي حكمين ويستحقّ عقابين.
التنبيه الثالث : في وحدة العقاب وتعدّده.
وهذا البحث من نتائج الشموليّة والبدليّة في الحكم. حيث قلنا : إنّ البدليّة تقتضي وحدة الحكم ، وهذا يعني أنّه يوجد تكليف واحد له امتثال واحد وعصيان واحد. وأمّا الشموليّة فهي تقتضي تعدّد الحكم وهذا معناه وجود تكاليف عديدة لكلّ منها عصيان وامتثال ، فإذا تركها جميعا تعدّد العقاب.
ففي متعلّق النهي مثلا ( لا تكذب ) قلنا : إنّ الإطلاق هنا شمولي بلحاظ عالم الامتثال ؛ لأنّ النهي يقتضي إعدام الطبيعة وعدم إيجادها في الخارج ، ومن الواضح أنّ إعدام الطبيعة لا يكون إلا بإعدام كلّ أفرادها ؛ إذ لو بقي فرد من أفرادها موجودا في الخارج لم تعدم الطبيعة ؛ لأنّها موجودة ضمنه.
وهذا معناه أنّ الحكم بحرمة الكذب ينحلّ إلى تحريمات عديدة بعدد الأفراد ، فلكلّ فرد من أفراد الكذب حرمة خاصّة به ، والمطلوب من المكلّف الامتناع عن كلّ هذه الأفراد ، فإذا عصى كان لكلّ فرد من الكذب عصيان خاصّ به يعاقب عليه مستقلاّ عن الفرد الآخر من الكذب ؛ لأنّه تكليف آخر له امتثال وعصيان مستقلاّن عن الأوّل.
فكلّما تعدّد الكذب من المكلّف كان عاصيا بعددها وكان معاقبا كذلك.
وأمّا الحكم في الخطاب الثاني فلا يشتمل إلا على وجوب واحد ، فلو ترك المكلّف الصلاة لكان ذلك عصيانا واحدا ويستحقّ بسببه عقابا واحدا. وهذا من نتائج الشموليّة في إطلاق متعلّق النهي التي تقتضي تعدّد الحكم ، والبدليّة في إطلاق متعلّق الأمر الذي يقتضي وحدة الحكم.
وأمّا في متعلّق الأمر من قبيل ( صلّ ) فقد تقدّم أنّ الإطلاق هنا بدلي بلحاظ عالم الامتثال ؛ وذلك لأنّ الأمر يقتضي إيجاد الطبيعة في الخارج وهي توجد بالفرد الأوّل من أفرادها ، فيكون ما سواه غير متعلّق للأمر وليس مأمورا به. وهذا معناه أنّ الحكم واحد غير متعدّد ، فإذا امتثله كان مستحقّا للثواب ، وإذا عصى ولم يمتثل للمأمور به كان مخالفا لحكم واحد ، وبالتالي لا يستحقّ إلا عقابا واحدا فقط.