وسابقا عليه رتبة ، وهذا يفترض كونها مجعولة بنحو الاستقلال وبمعزل عن تلك الأحكام التكليفيّة المترتّبة عليها ؛ لأنّ فرض انتزاعها عنها يستلزم الدور أو التقدّم والتأخّر ؛ إذ فرض كونها موضوعا يقتضي كونها متقدّمة وفرض كونها منتزعة يقتضي كونها متأخّرة ، فيلزم كونها متقدّمة ومتأخّرة في آن واحد من جهة واحدة وهو محال (١).
وقد تثار شبهة لنفي الجعل الاستقلالي لهذا القسم أيضا ، بدعوى أنّه لغو ؛ لأنّه بدون جعل الحكم التكليفي المقصود لا أثر له ، ومعه لا حاجة إلى الحكم الوضعي ، بل يمكن جعل الحكم التكليفي ابتداء على نفس الموضوع الذي يفترض جعل الحكم الوضعي عليه.
قد يقال : إنّ القسم الأوّل وهو الأحكام الوضعيّة الواقعة موضوعا للأحكام التكليفيّة يستحيل جعلها بالجعل الاستقلالي ، بل لا بدّ من فرضها منتزعة من الأحكام التكليفيّة ، فالملكيّة مثلا تنتزع من جواز التصرّف في ماله وحرمة تصرّف الغير به ، والزوجيّة تنتزع من جواز الاستمتاع للزوج وحرمته على غيره ، وهكذا.
ويدّعى للبرهان على ذلك أنّ الجعل الاستقلالي لهذه الأحكام الوضعيّة لغو ، وبيانه : أنّه إذا جعلت الملكيّة ونحوها بالجعل الاستقلالي :
__________________
(١) وممّا يدلّ على كونها أمورا اعتباريّة وليست انتزاعيّة أنّها موجودة عند كلّ الناس حتّى الذين لا يؤمنون بالشرع والشريعة ، وهذا يعني أنّها مجعولة بنحو الاستقلال عن الأحكام التكليفيّة.
فمثلا قوله : ( الناس مسلّطون على أموالهم ) يستفاد منه ترتيب حرمة تصرّف الغير بأموال الناس وسلطنة الناس على أموالهم وتصرّفهم بها كيفما شاءوا ، وهذان الحكمان ينتزعان من فرض وجود الملكيّة في مرحلة سابقة ؛ وإلا لم يجز تصرّفهم أو لم يحرم تصرف غيرهم ما داموا ليسوا مالكين لها. وجواز الاستمتاع مترتّب ومتفرّع من وجود علاقة الزوجيّة في مرتبة سابقة ، وليست الزوجيّة منتزعة من جواز الاستمتاع للزوج.
وعليه ، فبمجرّد إيقاع عقد الزواج أو عقد البيع تتحقّق الملكيّة والزوجيّة وإن لم يفرض وجود أي نوع من الأحكام التكليفيّة فيما بعد ، ويدلّ على صحّة ذلك كونهما موجودين عند العرف والعقلاء جميعا. ولو كانتا منتزعتين من الأحكام التكليفيّة لم يصحّ تحقّقهما من دون فرض الأحكام التكليفيّة.