فإن لم يترتّب عليها الحكم التكليفي المقصود ، كجواز التصرّف في ماله وسلطته عليه وحرمة ذلك على الغير لا يكون هناك أثر ولا فائدة من الجعل الاستقلالي المذكور ولا قيمة له ؛ إذ ما لم يكن هناك أحكام تكليفيّة على هذا الموضوع فما هو الداعي والغرض من جعله موضوعا بالجعل الاستقلالي؟! وليس هو إلا عبثا ولغوا.
وإن كان هناك أحكام تكليفيّة فوقيّة على هذا الجعل الاستقلالي لم نكن بحاجة إلى مثل هذا الجعل أيضا ؛ وذلك لأنّه بالإمكان أن يجعل الشارع ابتداء مثل هذه الأحكام التكليفيّة بالجعل الاستقلالي من دون جعل الأحكام الوضعيّة. نعم ، تكون هذه الأحكام الوضعيّة منتزعة منها ، وهذا معناه أنّ الجعل الاستقلالي لا طائل تحته ولا فائدة منه ما دام بالإمكان وجود تلك الأحكام التكليفيّة بمعزل عنها ، ففرضها موضوعا يمكن الاستغناء عنه بالجعل الابتدائي للأحكام التكليفيّة.
وعلى كلا التقديرين لا يكون هناك معنى ولا فائدة لجعل الأحكام الوضعيّة ، بل بالإمكان جعل الحكم التكليفي ابتداء على نفس الموضوع الذي يفترض جعل الحكم الوضعي عليه ، فيمكن للشارع أن يرتّب حقّ الاستمتاع والتمكين على نفس عنواني الزوج والمرأة من دون توسّط عنوان الزوجيّة ، ويمكنه أيضا أن يحكم بأنّ الماء الملاقي للنجاسة يحرم شربه من دون توسّط كونه نجسا ، وهكذا.
والجواب على هذه الشبهة : أنّ الأحكام الوضعيّة التي تعود إلى القسم الأوّل اعتبارات ذات جذور عقلائيّة ، الغرض من جعلها تنظيم الأحكام التكليفيّة وتسهيل صياغتها التشريعيّة ، فلا تكون لغوا.
إنّ الأحكام الوضعيّة المذكورة كالملكيّة والزوجيّة من الأمور العقلائيّة العرفيّة المرتكزة عندهم والتي يسيرون عليها بفطرتهم أو ببنائهم العرفي ، ولذلك أصبح لهذه الأحكام الوضعيّة تأصّلا وتجذّرا وارتكازا عندهم. وعلى هذا فالشارع عند ما أمضى هذه البناءات العقلائيّة كان الغرض من إمضائها وجعلها استقلالا أحد أمرين أو مجموعهما :
الأوّل : تنظيم الأحكام التكليفيّة حيث إنّ الأحكام الوضعيّة تكون محتوية وجامعة لعدد كبير من الأحكام التكليفيّة ، فبدلا من الإتيان بكلّ هذه الأحكام التكليفيّة في