الأمر الثاني : أنّه بناء على الفرض المذكور من كون الأداة موضوعة لاستيعاب ما يراد من المدخول يلزم دائما أن يكون معنى الأداة متوقّفا على المدلول التصديقي والمراد الجدّي للمدخول.
فإذا لم يكن للمدخول مدلول تصديقي كان لازمه أنّه لا يوجد للأداة معنى أصلا.
وهذا واضح البطلان ، بدليل أنّه إذا قيل : ( أكرم كلّ عالم ) وكان القائل هازلا أو مكرها أو في حالة تقيّة وأمثال ذلك كان المدلول التصديقي والمراد الجدّي للكلام منتفيا.
فبناء على الوجه المذكور يلزم ألاّ يكون لأداة العموم أي معنى أصلا ، مع أنّنا نحسّ وجدانا أنّ لهذا الكلام مدلولا تصوّريّا وصورة ذهنيّة مترابطة ومحفوظة حتّى مع عدم وجود الإرادة الجدّيّة ؛ لأنّ السامع لهذه الجملة يتصوّر المعنى الذي تدلّ عليه هذه الجملة تصوّرا ويخطر في ذهنه ( وجوب الإكرام لكلّ أفراد العالم ) ، غاية الأمر أنّه ليس مرادا جدّا للمتكلّم ؛ لعدم جريان قرينة الحكمة في المقام ؛ إذ لا تجري قرينة الحكمة مع العلم بعدم كون المتكلّم في مقام بيان تمام مراده الجدّي كما في الهزل والتقيّة.
فهذا الوجه مخالف للوجدان القاضي بأنّ الصورة الذهنيّة محفوظة للكلام حتّى مع عدم إرادته جدّا ؛ لأنّه بناء على هذا الفرض يلزم عدم انحفاظ الصورة الذهنيّة للأداة ؛ لأنّها مرتبطة بالمراد الجدّي والمدلول التصديقي وهو منتف في الحالات المذكورة فيلزم انتفاؤها أيضا ، وهو بديهي البطلان كما تبيّن.
وبهذا يتّضح أنّ الوجه الثاني الذي استظهره صاحب ( الكفاية ) هو الصحيح ، وهو كون الأداة موضوعة لما يصلح أن ينطبق عليه المدخول.