لكلّ فرد من أفراد المدخول من حيث إنّ العموم يري الأفراد تصوّرا ، فالحكم منصبّ على الأفراد جميعا بنحو يكون كلّ فرد موضوعا مستقلاّ للحكم ، ولهذا كان الأصل في العموم هو الاستغراق الذي معناه التكثّر والتعدّد في الحكم بعدد ما للموضوع من أفراد ومصاديق ، ولا يخرج عن هذا الأصل إلا بقرينة وعناية إضافيّة.
وعلى هذا الأساس كانت دلالة ( كلّ ) على العموم الأجزائي تحتاج إلى قرينة وعناية زائدة ؛ لأنّ استيعاب الأجزاء معناه العموم المجموعي بحيث تكون كلّ الأجزاء موضوعا واحدا ينصبّ عليها حكم واحد ، فلا تعدّد ولا تكثّر في الحكم ، وهذا على خلاف الأصل الأوّلي من العموم الذي يعني الاستيعاب والشمول وتعدّد الحكم وتكثّره.
ففي قولنا : ( اقرأ كلّ الكتاب ) كانت العناية الزائدة التي من أجلها اتّجهت كلمة ( كلّ ) نحو العموم الأجزائي على خلاف أصلها ، هي ( الألف ) و ( اللام ) ، حيث إنّ ( الألف ) و ( اللام ) دالّة على العهد ، والعهد معناه التعيين والتشخيص وهو معنى الوحدة والجزئيّة.
فإذا دخلت أداة العموم ( كلّ ) على المعرّف بـ ( اللام ) الدالّة على التعيين والوحدة لم تكن دالّة على استيعاب تمام الأفراد والمصاديق ؛ لأنّ الوحدة تتنافى مع التعدّد والتكثّر ، ولذلك تكون دالّة على أجزاء هذا الشيء الواحد الذي يتكوّن منها ، فكان العموم هنا أجزائيّا على أساس هذه القرينة العامّة.
ومن هنا أمكننا القول جوابا على السؤال المطروح بأنّ الأصل في كلمة ( كلّ ) أن تدلّ على العموم الأفرادي ، وتخرج عن هذا الأصل للدلالة على العموم الأجزائي بقرينة عامّة ، هي وجود ( اللام ) الدالّة على العهد ، والذي معناه التعيين والتشخيص والوحدة والذي يتنافى مع التكثّر والتعدّد (١).
__________________
(١) والصحيح : أنّه يمكن أن يفرض الأصل بالعكس أيضا ، بأن يقال : إنّ الأصل في أداة العموم أن تكون موضوعة لاستيعاب الأجزاء كما في ( اقرأ كلّ الكتاب ). ويخرج عن هذا الأصل للدلالة على العموم الأفرادي لقرينة زائدة ، وهي التنوين الدالّ على الشيوع والانتشار كما في ( اقرأ كلّ كتاب ) فإنّ التنوين يدل على الواحد الشائع المنتشر وهو يتناسب مع التعدّد والتكثّر.
مضافا إلى أنّ أداة العموم تفيد توحيد المتكثّرات في مفهوم وحداني ، ولذلك تفيد الدلالة على كلّ أجزاء هذا الأمر الوحداني المتضمّن لهذه المتكثّرات ...