ولكن يكفي دليلا على قاعدة الاشتراك إطلاقات أدلّة الأحكام سواء التكليفيّة أو الوضعيّة ، فإنّ إطلاقها وعدم تقييدها بالعالم يعني كونها شاملة للعالم بها والجاهل على حدّ سواء ، فيتمسّك بهذا الإطلاق الظاهر في العموم والشمول لكلّ الأفراد من دون تقييد أو تخصيص للعالم فقط. وهذا الإطلاق حجّة ويكون كاشفا على أساس مقدّمات الحكمة أنّ المراد الجدّي للشارع هو الاشتراك لا الاختصاص.
وعلى هذا الأساس أصبحت قاعدة الاشتراك من الأمور المقبولة على وجه العموم بين الأصحاب ، بحيث يمكن دعوى الإجماع والتسالم على هذه القاعدة ، حيث إنّه لم يشذّ منهم أحد على دعوى الاشتراك ، ولهذا يكون الإجماع من الأصحاب دليلا آخر على صحّة هذه القاعدة.
نعم ، هناك بعض الموارد الخاصّة دلّ الدليل الخاصّ على عدم شمولها للجاهل ، وإنّما هي مختصّة بالعالم فقط. ولذلك عبّر السيّد الشهيد في كلامه بكلمة ( الغالب ). ومن هذه الموارد موارد الجهر والإخفات والإتمام والقصر ، فإذا جهر في مورد الإخفات جهلا أو بالعكس صحّ ذلك ، وكذا لو قصّر من حكمه الإتمام جهلا بالحكم فحكموا بصحّة صلاته.
وقد يبرهن على هذه القاعدة عن طريق إثبات استحالة اختصاص الحكم بالعالم ؛ لأنّه يعني أنّ العلم بالحكم قد أخذ في موضوعه ، وينتج عن ذلك تأخّر الحكم رتبة عن العلم به وتوقّفه عليه وفقا لطبيعة العلاقة بين الحكم وموضوعه.
قد يقال في مقام الاستدلال على اشتراك الأحكام : إنّ اختصاص الأحكام بالعالم بها مستحيل ؛ حيث يلزم من ذلك أن يكون العلم قد أخذ موضوعا للعلم بالحكم ، وهذا يلزم منه عدّة محاذير لا يمكن الالتزام بها لاستحالتها ، وهي :
أوّلا : محذور الدور ببيان : أنّ العلم إذا أخذ قيدا في الحكم فيلزم كون الحكم موجودا في رتبة سابقة ليتعلّق به العلم ؛ لأنّ العلم مضاف إلى المعلوم وهو هنا الحكم ، والمفروض أنّ الحكم لا يثبت إلا إذا علم به ، وهذا لازمه أنّ الحكم متوقّف على العلم به ، والحال أنّ العلم متوقّف على ثبوت الحكم أوّلا فيدور.
وثانيا : محذور الخلف ببيان : أنّ العلم معناه الإراءة والانكشاف ، ففرض العلم