بالحكم يعني كونه منكشفا لدى العالم ، فإذا أخذ العلم قيدا في الحكم فمعناه أنّ الإراءة والانكشاف غير تامّين للعالم ، وهو خلف ؛ لأنّه عند ما يحصل العلم لا يحتاج إلى شيء آخر معه لتحقّق الانكشاف والإراءة لديه ، فإذا لا معنى لكون الانكشاف قيدا لثبوت الحكم ؛ إذ أخذه قيدا خلاف حقيقته ، فيؤدّي إلى لزوم التعارض والتناقض ولو في نظر المكلّف.
وثالثا : محذور التقدّم والتأخّر ببيان : أنّ الحكم متأخّر رتبة عن العلم به ؛ وذلك لأنّ الحكم متوقّف على العلم به ، وطبيعة العلاقة بين الحكم وموضوعه تقتضي أن يكون الموضوع ثابتا أوّلا ، وهذا يعني فرض ثبوت العلم بعد ثبوت الحكم مع أنّ أخذ العلم قيدا معناه ثبوت العلم أوّلا ثمّ ثبوت الحكم ثانيا ؛ لأنّ المقيّد لا يوجد إلا بعد وجود القيد ، فيلزم كون العلم متقدّما ومتأخّرا عن الحكم معا وكذا العكس وهو محال.
ولكن قد مرّ بنا في الحلقة السابقة (١) : أنّ المستحيل هو أخذ العلم بالحكم المجعول في موضوعه ، لا أخذ العلم بالجعل في موضوع الحكم المجعول فيه.
هذا جواب من السيّد الشهيد على برهان الاستحالة وأنّه غير تامّ. وذلك كما تقدّم في الحلقة الثانية ، وبيانه : أنّ المستحيل هو أخذ العلم بالحكم المجعول في موضوع الحكم المجعول ، وأمّا أخذ العلم بالجعل في موضوع الحكم المجعول ، فلا مانع منه على أساس المبنى القائل بالفرق بين الجعل والمجعول.
فالجعل هو عالم الثبوت الواقعي للحكم في اللوح ، والمجعول هو عالم إثبات الحكم على المكلّفين في الخارج ، وصيرورته في ذمّتهم وعلى عهدتهم وذلك بعد تماميّة كلّ ما أخذ قيدا أو شرطا فيه.
وعلى هذا لا مانع من ورود أحكام من هذا القبيل كما هو الحال في القصر والإتمام والجهر والإخفات ، حيث إنّ الشارع اعتبر وجوب القصر على المكلّف العالم بالجعل ، فيكون العلم بجعل القصر مأخوذا في موضوع الحكم المجعول على المكلّف ، بحيث إنّه إذا لم يعلم بالجعل لا يكون هناك مجعول في حقّه ؛ لأنّه لا يكون هناك حكم أصلا ولو على مستوى الجعل. ولذلك فالأحكام على مستوى الجعل مشتركة
__________________
(١) ضمن مباحث الدليل العقلي ، تحت عنوان : أخذ العلم بالحكم في موضوع الحكم.