الثاني : إلقاء المكلّف في المفسدة ؛ لأنّ الاعتماد على الحكم الظاهري المخالف للواقع معناه أنّ المكلّف قد فعل ما يجب تركه أو ترك ما يجب فعله ، وهذا معناه إلقاؤه في المفسدة المترتّبة على مخالفة المبادئ الواقعيّة للحكم.
ومثل هذا يقبح صدوره من الشارع الحكيم العادل بناء على مذهب العدليّة من المعتزلة والإماميّة. فإنّ الله عزّ وجلّ يستحيل أن يصدر منه خلاف العدل ، والإلقاء في المفسدة خلاف عدله.
الثالث : تفويت المصالح الواقعيّة المهمّة على المكلّف ؛ وذلك لأنّ مبادئ الحكم الواقعي محفوظة حتّى في صورة الشكّ والجهل بالواقع ، وهذا يعني أنّ المصلحة الموجودة في الفعل أو الترك واقعا سوف تفوت على المكلّف في صورة مخالفة الحكم الظاهري للواقع ، وتفويت المصالح على المكلّفين من الشارع الحكيم قبيح (١).
الثالثة : أنّ الحكم الظاهري من المستحيل أن يكون منجّزا للتكليف الواقعي المشكوك ومصحّحا للعقاب على مخالفة الواقع ؛ لأنّ الواقع لا يخرج عن كونه مشكوكا بقيام الأصل أو الأمارة المثبتين للتكليف. ومعه يشمله حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ـ بناء على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ والأحكام العقليّة غير قابلة للتخصيص.
مفاد هذه الشبهة هو أنّ جعل الحكم الظاهري يتعارض مع قاعدة قبح العقاب بلا بيان. توضيح ذلك : إنّ الحكم الظاهري تارة يكون مؤمّنا عن التكليف وأخرى يكون منجّزا له.
__________________
(١) وهذه المحاذير الثلاثة يدركها العقل العملي الحاكم بما ينبغي أن يكون ، فيدرك أنّ الشارع العاقل الحكيم العادل لا ينبغي أن يصدر منه مثل هذه الأمور ؛ لأنّ تفويت الغرض خلاف الحكمة ، والإلقاء في المفسدة خلاف العدل ، وتفويت المصلحة على العباد قبيح. وما دامت هذه المحاذير مترتّبة على جعل الحكم الظاهري ، فهذا معناه أنّ مثل هذا الجعل لا يمكن صدوره عن الشارع وإلاّ لزم هذه النتائج المستحيلة ، وما يؤدّي إلى المحال يكون محالا مثله. وأمّا على غير مذهب العدليّة فعندهم أنّه لا يقبح صدور شيء من هذه الأمور من الشارع ؛ لأنّ ما يصدر منه حسن دائما حتّى هذه الأمور ، فإنّها إذا صدرت من الشارع فيحكم بحسنها.