يتّضح أنّ الشبهة لا تزال مستحكمة ؛ لأنّ مجرّد الاختلاف في المحمول وكون هذا ظاهريّا وذاك واقعيّا لا يفيد ؛ لأنّهما حكمان تكليفيّان متضادّان وقد اجتمعا في واقعة واحدة وهو مستحيل ، وهذه الاستحالة يدركها العقل النظري الذي يدرك ما هو كائن وواقع.
الثانية : أنّ الحكم الظاهري إذا خالف الحكم الواقعي ـ فحيث إنّ الحكم الواقعي بمبادئه محفوظ في هذا الفرض بحكم قاعدة الاشتراك ـ يلزم من جعل الحكم الظاهري في هذه الحالة نقض المولى لغرضه الواقعي بالسماح للمكلّف بتفويته اعتمادا على الحكم الظاهري في حالات عدم تطابقه مع الواقع ، وهو يعني إلقاء المكلّف في المفسدة وتفويت المصالح الواقعيّة المهمّة عليه.
تقدّم أنّ الأحكام الواقعيّة ثابتة حتّى في فرض الجهل بها بناء على اشتراك الأحكام للعالم والجاهل ، وهذا معناه أنّ الحكم الواقعي محفوظ بمبادئه المتقدّمة وهي الملاك والإرادة حتّى في صورة الشكّ.
وحينئذ يقال : إنّ جعل الحكم الظاهري في صورة مخالفته للحكم الواقعي المحفوظ بمبادئه كلّها يلزم منه ثلاثة محاذير :
الأوّل : نقض المولى لغرضه ببيان : أنّ الحكم الواقعي محفوظ بمبادئه ، وهذا يعني أنّ المولى له ملاك وإرادة وشوق في هذا الحكم الواقعي ، فإذا كان للمولى غرض في جعل الحكم الواقعي فكيف يسمح بتفويت هذا الغرض من المكلّف في صورة اعتماده على الحكم الظاهري المخالف للواقع؟! والحال أنّ الشارع الحكيم يكون ملتفتا إلى أنّ الاعتماد على الحكم الظاهري سوف يفوّت غرضه في صورة مخالفته للواقع ، فكيف يعقل بحقّه جعل مثل هذا الحكم؟!