وحينئذ فإن قيل بأنّ الحكم الظاهري ناشئ من مصلحة ملزمة وشوق في فعل المكلّف الذي تعلّق به ذلك الحكم ، حصل التنافي بينه وبين الحرمة الواقعيّة مهما كانت الصيغة الاعتباريّة لجعل الحكم الظاهري. وإن قيل بعدم نشوئه من ذلك ـ ولو بافتراض قيام المبادئ بنفس جعل الحكم الظاهري ـ زال التنافي بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري ، سواء جعل هذا حكما تكليفيّا أو بلسان جعل الطريقيّة.
بعد أن اتّضح أنّ مسألة تغيير الاعتبار والصياغة من الحكم التكليفي إلى جعل العلميّة والطريقيّة لا تفيد في حلّ الإشكال نقول : إنّ هذا الحكم الظاهري إمّا أن يكون ناشئا من مبادئ مستقلّة موجودة في نفس الفعل الذي تعلّق به الحكم الظاهري ، وإمّا أن لا يكون ناشئا من ذلك.
فإن كان الحكم الظاهري ناشئا من مبادئ وملاكات وإرادة وشوق ومحبوبيّة في نفس فعل المكلّف الذي قام خبر الثقة على وجوبه فهذا معناه أنّ الوجوب الذي هو مؤدّى خبر الثقة فيه مصلحة ملزمة ومحبوبيّة وشوق مولوي ، وهذا يعني أنّه مشتمل على مبادئ الوجوب فعندئذ يحصل التنافي بينه وبين الحرمة الواقعيّة بلحاظ المبادئ ؛ لأنّ مبادئ الوجوب تتنافى مع مبادئ الحرمة. ولا تحلّ هذه المشكلة سواء قلنا بأنّ الحكم الظاهري مفاده جعل العلميّة والطريقيّة التي هي حكم وضعي أو قلنا بأنّ مفاده جعل حكم مماثل للحكم الواقعي ؛ لأنّ التنافي واقع بينهما لا محالة بلحاظ المبادئ ، وتغيير الصياغة الاعتباريّة المذكورة لا تفيد ولا تضرّ ؛ لأنّه لا تضادّ أصلا بلحاظ الاعتبار والإنشاء الخالي من المبادئ.
وإن لم يكن الحكم الظاهري ناشئا من مبادئ خاصّة ومستقلّة في فعل المكلّف ، بل كانت هذه المبادئ ثابتة في نفس جعل هذا الحكم كما هو قول السيّد الخوئي الآتي مثلا ، فحينئذ لا تعارض ولا تنافي بين الحكمين ( الوجوب والحرمة ) ؛ لأنّه لا يوجد مبادئ في نفس الفعل زائدا عن المبادئ الثابتة واقعا ، ولذلك لا يضرّنا تسمية الحكم الظاهري بجعل الحكم المماثل أو بجعل الطريقيّة ؛ لأنّ هذه مجرّد صياغات اعتباريّة إنشائيّة لا تضادّ فيها.
والحاصل : أنّ المهمّ في الجواب عن الإشكال إنكار وجود مبادئ مستقلّة في نفس الفعل الذي تعلّق به الحكم الظاهري ؛ لأنّ التعارض بين الوجوب والحرمة إنّما هو