يوجّه هذا المكلّف عمليّا ، فهو بين أمرين : إمّا أن يرخّصه في ارتكاب كلّ ما يحتمل إباحته ، وهذا بطبيعته سوف يشمل الحرام الواقعي أيضا ؛ نتيجة عدم تمييزه عن المباح. وإمّا أن يمنعه عن ارتكاب كلّ ما يحتمل حرمته ، وهذا معناه أيضا الشمول للمباح الواقعي ؛ نتيجة عدم تمييزه عن الحرام.
وهذان الأمران لا ثالث لهما ؛ لأنّ المكلّف اتّجاه هذا الواقع المسدود إمّا أن يفعل أو يترك وليس له خيار ثالث بينهما.
وواضح أنّ اهتمامه بالاجتناب عن المحرّمات الواقعيّة يدعوه إلى المنع عن ارتكاب كلّ ما يحتمل حرمته ، لا لأنّ كلّ ما يحتمل حرمته فهو مبغوض وذو مفسدة ، بل لضمان الاجتناب عن المحرّمات الواقعيّة الموجودة ضمنها ، فهو منع ظاهري ناشئ من مبغوضيّة المحرّمات الواقعيّة والحرص على ضمان اجتنابها.
والنتيجة : أنّ المولى إذا كان مهتمّا بجانب المحرّمات ، فهذا يدعوه إلى إصدار منع عن ارتكاب كلّ ما يحتمل حرمته ، كأن يأمر بالاحتياط في الشبهات ، وهذا المنع عن ارتكاب الشبهات التي يحتمل حرمتها سوف يشمل المباح الواقعي ؛ نتيجة للاختلاط وعدم التمييز للحرام عن المباح. فهناك مباحات ضمن دائرة ما يحتمل حرمته سوف يشمله المنع من الارتكاب ، إلا أنّ هذا المنع لم ينشأ من كون ما يحتمل حرمته واجدا لملاك ومبادئ الحرمة من مفسدة ومبغوضيّة ؛ إذ مبادئ الحرمة مختصّة بالحرمة الواقعيّة فقط لا كلّ حرمة محتملة ، بل إنّ هذا المنع كان لأجل الحفاظ على ملاكات الحرام الواقعي ولأجل الحرص على ضمان اجتنابها ، فإنّه إذا اجتنب كلّ هذه الشبهات التي يحتمل حرمتها يكون قد اجتنب الوقوع في الحرام قطعا ، فهذا المنع منع ظاهري ناشئ من الملاك والمبادئ في متعلّق الحرمة الواقعيّة ، وليس ناشئا من وجود مبادئ الحرمة في متعلّق الحكم الظاهري بخصوصه أو أن مبادئه في نفس جعله.
فليس في الحكم الظاهري ملاكات ومبادئ زائدة ومستقلّة عن ملاكات ومبادئ الحكم الواقعي بل هي نفسها ، والغرض منها هو الحفاظ على الملاكات الواقعيّة للحرمة وضمان اجتنابها وعدم توريط المكلّف بالوقوع في المفسدة الواقعيّة.
وفي مقابل ذلك إن كانت الإباحة في المباحات الواقعيّة ذات ملاك لا اقتضائي فلن يجد المولى ما يحول دون إصدار المنع المذكور ، وهذا المنع سيشمل الحرام