الأمر الأوّل : أنّ الحرمة الواقعيّة كالوجوب الواقعي لهما مبادئ وملاكات اقتضائيّة متعلّقة بالفعل ، فالحرمة الواقعيّة ملاكها الاقتضائي المفسدة والمبغوضيّة القائمتان بالفعل ، والوجوب الواقعي ملاكه الواقعي المصلحة والمحبوبيّة كذلك ، فالوجوب والحرمة متعلّقان بالفعل وجودا أو تركا.
وأمّا الإباحة فهي على قسمين :
فتارة تنشأ من ملاك اقتضائي بأن يكون المكلّف مطلق العنان.
وأخرى تنشأ من خلوّ الفعل من أي ملاك فعلا أو تركا.
وعليه فإذا اختلطت المباحات بالمحرّمات ولم يتميّز بعضها عن البعض ، لم يؤدّ ذلك إلى تغيّر في الأغراض والملاكات والمبادئ للأحكام الواقعيّة ، فلا المباح بعدم تمييز المكلّف له عن الحرام يصبح مبغوضا ، ولا الحرام بعدم تمييزه عن المباح تسقط مبغوضيّته ، فالحرام على حرمته واقعا ولا يوجد فيه سوى مبادئ الحرمة ، والمباح على إباحته ولا توجد فيه سوى مبادئ الإباحة.
الأمر الثاني : أنّه إذا اختلطت المباحات الواقعيّة والمحرّمات ولم يقدر المكلّف على تمييز بعضها عن البعض الآخر ، بمعنى انسداد باب الواقع أمامه ، فهذا لا يؤدّي إلى تغيير المحرّمات عن مبادئها الواقعيّة ولا إلى تغيير المباحات عن مبادئها الواقعيّة أيضا ، فالمحرّمات تبقى فيها مبادئ المفسدة والمبغوضيّة وإن لم يقدر المكلّف على معرفتها وتمييزها ، وكذلك الحال في مبادئ المباحات. وهذا معناه أنّ الحرام الواقعي ليس فيه إلا مبادئ الحرمة الواقعيّة من مفسدة ومبغوضيّة ولا يتغيّر ولا يتبدّل بعدم تمييزه ومعرفته ، والمباح الواقعي لا تتبدّل فيه مبادئ الإباحة ولا تتغيّر ، فلا الحرام يصبح مباحا ولا المباح يصير حراما ؛ نتيجة لعدم التمييز.
وهذا ثابت بحكم وجود أحكام واقعيّة ثابتة بحقّ الجميع سواء العالم بها والجاهل لا تتبدّل ولا تتغيّر.
غير أنّ المولى في مقام التوجيه للمكلّف الذي اختلطت عليه المباحات بالمحرّمات بين أمرين : إمّا أن يرخّصه في ارتكاب ما يحتمل إباحته ، وإمّا أن يمنعه من ارتكاب ما يحتمل حرمته.
الأمر الثالث : أن المولى عند اختلاط الأحكام المباحة والمحرّمة على المكلّف لا بدّ أن