شبهة تنجّز الواقع المشكوك
وأمّا الاعتراض الثالث فقد أجيب (١) بأنّ تصحيح العقاب على التكليف الواقعي الذي أخبر عنه الثقة بلحاظ حجيّة خبره لا ينافي قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ لأنّ المولى حينما يجعل خبر الثقة حجّة يعطيه صفة العلم والكاشفيّة اعتبارا على مسلك الطريقية المتقدّم ، وبذلك يخرج التكليف الواقعي عن دائرة قبح العقاب بلا بيان ؛ لأنّه يصبح معلوما بالتعبّد الشرعي وإن كان مشكوكا وجدانا.
ذكر المحقّق النائيني بأنّ الجواب على إشكال تنجّز الواقع المشكوك واستحقاق العقوبة على المخالفة في صورة قيام الحكم الظاهري على حكم إلزامي كالوجوب أو الحرمة لا يتنافى مع الحكم العقلي بالتأمين في صورة الشكّ على أساس قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ وذلك أنّ موضوع القاعدة العقليّة عدم البيان والعلم فإذا لم يكن هناك علم بالتكليف فلا يكون منجّزا على المكلّف وبالتالي لا يعاقب على مخالفته. وأمّا إذا تحقّق البيان والعلم فيصبح التكليف منجّزا ويستحقّ العقاب على المخالفة للزوم الإطاعة والامتثال عقلا. وهنا الحكم الظاهري كخبر الثقة الدالّ على الإلزام كالوجوب والحرمة عند ما تجعل له الحجيّة شرعا معناه أنّ الشارع قد جعل خبر الثقة طريقا وكاشفا تامّا عن الواقع ، فيكون الشارع قد اعتبر خبر الثقة علما ؛ لأنّ المجعول في الأحكام الظاهريّة هو العلميّة والطريقيّة والكاشفيّة. وحينئذ نقول : إنّه لا منافاة بين الحكم الظاهري الدالّ على الإلزام وبين حكم العقل المذكور ؛ لأنّ الحكم الظاهري يثبت به العلم والبيان تعبّدا ، ومع تحقّق البيان والعلم يرتفع موضوع حكم العقل بالتأمين ؛ لأنّ موضوعه عدم البيان والعلم. والمفروض أنّهما متحقّقان وثابتان في الفرض المذكور ، فلا تنافي ؛ لأنّ حكم العقل مرتفع تبعا لارتفاع موضوعه ، حيث إنّ
__________________
(١) يمكن استفادة ذلك ممّا جاء في أجود التقريرات ٢ : ١١.