الموضوع بمثابة العلّة للحكم إذا انتفى ينتفي الحكم معه ، وإلا لزم التفكيك بين العلّة والمعلول وهو محال.
والحاصل : أنّ موضوع الحكم العقلي هو عدم العلم والبيان الأعمّ من العلم الحقيقي كالقطع الوجداني ، ومن العلم التعبّدي كخبر الثقة الذي جعله الشارع علما بالتعبّد والاعتبار. وبهذا يتنجّز الواقع على المكلّف ، ويصبح ملزما بالامتثال والإطاعة وإلا لكان مدانا بحكم العقل. وبهذا ظهر أنّ الأحكام الظاهريّة واردة على القاعدة العقليّة ؛ لأنّها ترفع موضوعها حقيقة ؛ لأنّ موضوعها العلم والبيان الأعمّ من الوجداني أو التعبّدي الاعتباري.
ونلاحظ على ذلك : أنّ هذه المحاولة إذا تمّت فلا تجدي في الأحكام الظاهريّة المجعولة في الأصول العمليّة غير المحرزة كأصالة الاحتياط ، على أنّ المحاولة غير تامّة كما يأتي (١) إن شاء الله تعالى.
أورد السيّد الشهيد على كلام المحقّق النائيني إشكالين :
الأوّل : أنّ ما ذكره من جعل العلميّة للحكم الظاهري إنّما يتمّ على فرض التسليم بأصل المبنى في الأحكام الظاهريّة التي فيها كشف ظنّي ناقص من الواقع ، حيث إنّ جعل الحجيّة لها يكون متمّما لهذا الكشف فيعتبرها علما تعبّدا كما هو الحال في الأمارات كخبر الثقة مثلا. وأمّا في الأصول العمليّة غير المحرزة كأصالة البراءة والاحتياط فلا يتمّ هذا الكلام ؛ لأنّه لا يوجد أي كشف عن الواقع في البراءة أو الاحتياط ؛ لأنّها مجرّد وظائف لتحديد الموقف العملي اتّجاه الواقع المشكوك ، من دون أن تكون كاشفا ولو كشفا ظنيّا ناقصا عن الواقع. فجعل الحجيّة فيها معناه جعلها منجّزة ومعذّرة فقط دون أن يكون هناك أي علم وبيان فيها ، نعم في الأصول العمليّة المحرزة كالاستصحاب مثلا يوجد كشف ظنّي عن الواقع فهي كالأمارات.
الثاني : أنّ أصل المبنى غير صحيح ؛ لأنّنا لا نقبل أن يكون المجعول في الحكم الظاهري حتّى الأمارات منه الكاشفيّة والطريقيّة والعلميّة كما سيأتي في توضيحه عند البحث عن الأمارات والأصول. فهذه المحاولة غير صحيحة أصلا. وبهذا يظهر أنّ
__________________
(١) ضمن المبادئ العامّة من مباحث الأدلّة المحرزة ، تحت عنوان : وفاء الدليل بدور القطع الطريقي والموضوعي.