شبهة التنجّز لا تزال مستحكمة بناء على مسلك المشهور القائل بقاعدة قبح العقاب بلا بيان. مضافا إلى أنّ حكومة الأمارات على القاعدة المذكورة متوقّفة على قيام الأمارة مقام القطع الموضوعي الذي التزم به المحقّق النائيني ، ولكن مع ذلك فإنّ دليل حجيّة الأمارات والذي هو السيرة العقلائيّة قائم على العمل بالأمارات مقام القطع الطريقي ، إذ لا وجود للقطع الموضوعي في حياتهم ، ولو فرض وجوده فهو فرد نادر يحتاج إلى النظر إليه في الدليل الحاكم ، والنظر هنا غير محرز إذ لا يوجد ما يدلّ عليه في لسان دليل الحجيّة. فحتّى لو قبلنا الحكومة فهي لا تجدي ؛ لأنّها بلسان التخصيص ولكن على أساس التوسعة أو التضييق وقد قلنا : إنّ الأحكام العقليّة غير قابلة للتخصيص مطلقا. نعم يتمّ ذلك بناء على الورود إلا أنّه لا قائل به منهم.
والصحيح أنّه لا موضوع لهذا الاعتراض على مسلك حقّ الطاعة ؛ لما تقدّم من أنّ هذا المسلك المختار يقتضي إنكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان رأسا. وقد تلخّص مما تقدّم أنّ جعل الأحكام الظاهريّة ممكن.
والجواب الصحيح على شبهة التنجّز : هو إنكار مسلك المشهور القائل بقبح العقاب بلا بيان ، إذ على أساس هذا المبنى لا يمكن دفع هذه الشبهة. وأمّا على المسلك المختار عندنا وهو مسلك حقّ الطاعة فلا موضوع لهذه الشبهة ، وذلك لأنّه بناء على هذا المسلك يكون الشكّ والظنّ بل أدنى احتمال للتكليف منجّزا ، فضلا عن العلم به على أساس حقّ الطاعة الثابت بحكم العقل. وهذا يعني أنّ الحكم الظاهري كخبر الثقة مثلا الدالّ على الوجوب أو الحرمة لا يتنافى مع حكم العقل ، بل يكون موافقا له (١). وبهذا يتلخّص أنّ جعل الأحكام ممكن لأنّ الإشكالات المذكورة مندفعة بما تقدّم.
__________________
(١) إلا أنّه على مسلك حقّ الطاعة يكون الحكم الظاهري النافي للتكليف متنافيا مع حكم العقل بالمنجزية ؛ لأنّ هذا الحكم يثبت به التأمين والمعذّريّة بينما مسلك حقّ الطاعة يثبت به المنجّزيّة.